ثم أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم للمرة الثانية ، أن يحسم الجدال معهم ، بتفويض أمره وأمرهم إلى الله - عز وجل - ، فهو خير الحاكمين فقال : { قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً } .
أى : قل لهم فى هذه المرة من جهتك ، بعد أن قلت لهم فى المرة السابقة من جهتنا : قل لهم - أيها الرسول الكريم - يكفينى ويرضينى ويسعدنى ، أن يكون الله - تعالى - هو الشهيد والحاكم بينى وبينكم يوم نلقاه جميعًا فهو - سبحانه - يعلم أنى قد بلغتكم ما أرسلت به إليكم ، إنه - تعالى - كان وما زال خبيرًا بصيرًا . أى : محيطًا إحاطة تامة بظواهرهم وبواطنهم ، لا يخفى عليه شئ فى الأرض ولا فى السماء .
وفى هذه الآية الكريمة تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه منهم من أذى ، وتهديد لهم بسوء المصير ، حيث آذوا نبيهم الذى جاء لهدايتهم وسعادتهم .
يقول تعالى مرشدًا نبيه إلى الحجة على قومه ، في صدق ما جاءهم به : أنه شاهد عليّ وعليكم ، عالم بما جئتكم به ، فلو كنت كاذبًا [ عليه ]{[17852]} انتقم مني أشد الانتقام ، كما قال تعالى : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ * لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ } [ الحاقة : 44 - 46 ] .
وقوله : { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا } أي : عليم بهم بمن يستحق الإنعام والإحسان والهداية ، ممن يستحق الشقاء والإضلال{[17853]} والإزاغة . ولهذا قال : { وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم}، يقول: فلا أحد أفضل من الله شاهدا بأني رسول الله إليكم،
{إنه كان بعباده خبيرا بصيرا}، حين اختص محمدا صلى الله عليه وسلم بالرسالة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه: قل يا محمد للقائلين لك:"أبَعَثَ اللّهُ بَشَرا رَسُولا" "كَفَى باللّهِ شَهِيدا بَيْنِي وَبَيْنِكُمْ "فإنه نعم الكافي والحاكم.
"إنّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيرا" يقول: إن الله بعباده ذو خبرة وعلم بأمورهم وأفعالهم، والمحقّ منهم والمُبطل، والمهْديّ والضالّ "بَصِيرا" بتدبيرهم وسياستهم وتصريفهم فيما شاء، وكيف شاء وأحبّ، لا يخفى عليه شيء من أمورهم، وهو مجازٍ جميعَهم بما قدّم عند ورودهم عليه...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قال بعضهم: كفى ما أقام الله من الآيات على رسالتي وأني رسول إليكم...
و قال بعضهم: يحتمل أن يكون ذلك على الإياس من إيمانهم...
{إنه كان بعباده خبيرا بصيرا} يذكر هذا، والله أعلم بأنه عن علم بإجابتهم وردهم بعثه إليهم رسولا لا عن جهل بأحوالهم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ثم قال له "قل "لهم كفى بالله، أي حسبي الله شهيدا وعالما بيني وبينكم. "إنه كان بعباده خبيرا بصيرا" أي عالما بكم وبي، مدرك لنا... وإنما قال هذا جوابا لهم حين قالوا: من يشهد لك بأنك رسول الله؟ فقال الله له "قل كفى بالله شهيدا"...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} على أني بلغت ما أرسلت به إليكم، وأنكم كذبتم وعاندتم {إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ} المنذرين والمنذرين {خَبِيراً} عالماً بأحوالهم، فهو مجازيهم. وهذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيد للكفرة...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
روى البخاري أن الملأ من قريش الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم المقالات التي تقدم ذكرها من عرض الملك عليه والغنى وغير ذلك، قالوا له في آخر قولهم: فلتجئ معك طائفة من الملائكة تشهد لك بصدقك في نبوتك، قال المهدوي: روي أنهم قالوا له: فمن يشهد لك؟.
ومعنى أقوالهم إنما هو طلب شهادة دون أن يذكروها، ففي ذلك نزلت الآية، أي الله يشهد بيني وبينكم الذي له الخبر والبصر لجميعنا صادقنا وكاذبنا...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{قل كفى بالله} أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً {شهيداً} أي فيصلاً يكون {بيني وبينكم} يعامل كلاًّ منا بما يستحق؛ ثم علل كفايته لذلك بقوله تعالى: {إنه كان بعباده} قبل أن يخلقهم {خبيراً} بما يؤول إليه أمرهم بعد إيجاده لهم {بصيراً} بما يكون منهم بعد وجوده...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وما دامت هذه سنة الله في خلقه، فهو يأمر الرسول [صلى الله عليه وسلم] أن ينهي معهم الجدل، وأن يكل أمره وأمرهم إلى الله يشهده عليهم، ويدع له التصرف في أمرهم، وهو الخبير البصير بالعباد جميعا: (قل: كفى بالله شهيدا بيني وبينكم، إنه كان بعباده خبيرا بصيرا)...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وأريد بالشهيد هنا الشهيد للمُحق على المبطل، فهو كناية عن النصير والحاكم لأن الشهادة سبب الحكم، والقرينَةُ قوله: {بيني وبينكم} لأن ظرف (بين) يناسب معنى الحُكم. وهذا بمعنى قوله تعالى: {حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين} [الأعراف: 87] وقوله: {يوم القيامة يفصل بينكم} [الممتحنة: 3].
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري 1439 هـ :
عظم شهادة الله تعالى ووجوب الاكتفاء بها...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
المهتدون الحقيقيون: بعد أن قطعت الآيات السابقة أشواطاً في مجال التوحيد والنّبوة وعرض حديث المعارضين والمشركين، فإِنَّ هذه الآيات عبارة عن خاتمة المطاف في هذا الحديث، إِذ تضع النتيجة الأخيرة لكل ذلك.
إِنَّ هذه الآية تستهدف أمرين فهي أوّلا: تُهدِّد المعارضين المتعصبين والمعاندين، بأنَّ الله خبير وبصير ويشهد أعمالنا وأعمالكم، فلا تظنوا بأنّكم خارجون عن محيط قدرته أو أنَّ شيئاً مِن أعمالكم خاف عنه.
الأمر الثّاني: هو أنَّ الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أظهر إِيمانه القاطع بما قال، حيث إنَّ إيمان المتحدّث القوي بما يقول له أثرٌ نفسي عميق في المستمع، وعسى أن يكون هذا التعبير القاطع والحاسم المقرون بنوع من التهديد مؤثراً فيهم، ويهز وجودهم، ويوقظ فكرهم ووجدانهم ويهديهم إلى الطريق الصحيح...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.