وأما النداء الثالث الذى اشتملت عليه هذه الآيات فهو قوله : { يا أهل الكتاب لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } .
أى : لماذا تكفرون بآيات الله - تعالى - التى يتلوها عليكم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والحال أنكم تعلمون صدقها وصحتها علما يقينا كعلم المشاهدة والعيان ، وتعرفون أنه نبي حقا كما تعرفون أبناءكم .
والاستفهام فى قوله { لِمَ تَكْفُرُونَ } لتوبيخهم والتعجيب من شأنهم ، وإنكار ما هم عليه من كفر بأيات الله مع علمهم بصدقها .
وفى هذا النداء إشارة إلى أن ما أعطوه من علم كان يقتضي منهم أن يسارعوا إلى الإيمان لا أن يكفروا بآيات الله الدالة على صدق نبيه صلى الله عليه وسلم والتى تتناول القرآن الكريم ، والحجج والمعجزات التى جاءهم بها صلى الله عليه وسلم .
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ }
يعني بذلك جلّ ثناؤه : { يا أهْلَ الكِتابِ } من اليهود والنصارى ، { لِمَ تَكْفُرُونَ } يقول : لِمَ تَجحدون { بِآياتِ اللّهِ } يعني : بما في كتاب الله ، الذي أنزله إليكم ، على ألسن أنبيائكم من آيه وأدلته ، { وأنْتُمْ تَشْهَدُونَ } أنه حقّ من عند ربكم . وإنما هذا من الله عزّ وجلّ توبيخ لأهل الكتابين على كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وجحودهم نبوّته ، وهم يجدونه في كتبهم مع شهادتهم أن ما في كتبهم حقّ ، وأنه من عند الله . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يا أهْلَ الكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وأنْتُمْ تَشْهَدُونَ } يقول : تشهدون أن نعت محمد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم في كتابكم ، ثم تكفرون به وتنكرونه ، ولا تؤمنون به وأنتم تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل ، النبيّ الأميّ الذي يؤمن بالله وكلماته .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { يا أهْلَ الكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَأنْتُمْ تَشْهَدُونَ } يقول : تشهدون أن نعت محمد في كتابكم ، ثم تكفرون به ولا تؤمنون به ، وأنتم تجدونه عندكم في التوراة والإنجيل النبيّ الأميّ .
حدثني محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : { يا أهْلَ الكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وأنْتُمْ تَشْهَدُونَ } آيات الله : محمد ، وأما تشهدون : فيشهدون أنه الحقّ يجدونه مكتوبا عندهم .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { يا أهْلَ الكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَأنْتُمْ تَشْهَدُونَ } أن الدين عند الله الإسلام ، ليس لله دين غيره .
ثم وقفهم تعالى موبخاً لهم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ، والمعنى : قل لهم يا محمد ، لأي سبب تكفرون بآيات الله التي هي آية القرآن ؟ وأنتم تشهدون أن أمره وصفة محمد الذي هو الآتي به في كتابكم ، قال هذا المعنى قتادة وابن جريج والسدي ، وتحتمل الآية أن يريد «بالآيات » ما ظهر على يدي محمد عليه السلام من تعجيز العرب والإعلام بالغيوب وتكلم الجمادات وغير ذلك و { تشهدون } على هذا يكون بمعنى تحضرون وتعاينون ، والتأويل الأول أقوى لأنه روي أن أهل الكتاب كانوا قبل ظهور محمد صلى الله عليه وسلم يخبرون بصفة النبي الخارج وحاله ، فلما ظهر كفروا به حسداً ، فإخبارهم المتقدم لظهوره هو الشهادة التي وقفوا عليها ، قال مكي : وقيل إن هذه الآيات عني بها قريظة والنضير وبنو قينقاع ونصارى نجران .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.