اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تَكۡفُرُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ وَأَنتُمۡ تَشۡهَدُونَ} (70)

" لِمَ " أصلها " لِمَا " لأنها " ما " التي للاستفهام ، دخلت عليها اللامُ ، فحُذِفت الألف ؛ لطلب الخفة لأن حرف الجر صار كالعِوَضِ عنها ، ولأنها وقعت طرفاً ، ويدل عليها الفتحة ؛ وعلى هذا قوله تعالى : { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ } [ النبأ : 1 ] وقوله : { فَبِمَ تُبَشِّرُونَ } [ الحجر : 54 ] والوقف على

[ هذه الحروف ] {[5592]} يكون بالهاء نحو فَبِمَهْ ، لِمَهْ .

قوله : { بِآيَاتِ اللَّهِ } فيه وُجُوهٌ :

أحدها : أن المراد بها ما في التوراة والإنجيل ، وعلى هذا يُحْتَمل أن يكون المراد ما في هذين الكتابين من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم ونَعْتِه ، ويحتمل أن يكون المرادُ بما في هذين الكتابين من أن إبراهيمَ كان حنيفاً مسلماً .

ويحتمل أن يكون ما فيهما من أن الدين عند اللهِ الإسْلاَمُ ؛ وقائل هذا القول المحتمل لهذه الوجوه ، يقول : إن الكفرَ بآيات الله يحتمل وجهين :

أحدهما : أنهم ما كانوا كافرين بالتَّوْرَاةِ ، بل كانوا كافرين بما تدل عليه التوراةُ ، فأطلق اسْمَ الدليل على المدلول ، على سبيل الْمَجَازِ .

الثاني : أنهم كانوا كافرين بنفس التوراة ؛ لأنهم كانوا يُحَرِّفُونها ، وكانوا يُنَكِرون وجودَ تلك الآياتِ الدالةِ على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .

الوجه الثاني : أن المراد بآيات الله [ هو ] {[5593]} القرآن وبيان نعته صلى الله عليه وسلم { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } أن نعته مذكور في التوراة والإنجيل ، وتُنْكِرون عند العوام كَوْنَ القرآنِ معجزةٌ ، ثم تشهدون بقلوبكم وعقولكم بكونه معجزاً .

الوجه الثالث : أن المراد بآياتِ الله جملة المعجزات التي ظهرت على يد [ النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا قوله : { وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } معناه : وأنكم لما اعترفتم بدلالة المعجزاتِ التي ظهرت على ] {[5594]} سائر الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام- الدالة على صدقهم ، من حيث إنَّ المعجز قائم مقام التصديق من الله وإذا شهدتم بأن المعجز دليل على صدق الأنبياء عليهم السلام ، وأنتم قد شاهدتم المعجز في حق محمد صلى الله عليه وسلم فكان إصرارُكم على إنكار نبوته ورسالته مناقضاً لما شهدتم بحقيقته من دلالةِ معجزات سائر الأنبياء - عليهم السلام- .


[5592]:في ب: هذا الحرف.
[5593]:في أ: يعني.
[5594]:سقط في أ.