ثم ختم - سبحانه - سورة آل عمران بالحديث عن مظاهر قدرته ، وأدلة وحدانيته ، وبشر أصحاب العقول السليمة - الذين يعتبرون ويتعظون ويتفكرون ويكثرون من ذكره - برضوانه وجنته ، وأمر عباده بألا يغتروا بما عليه الكافرون من سلطان وجاه فإنه - سبحانه - قد جعل العاقبة للمتقين ، كما أمرهم بالصبر والمصابرة والمرابطة ومداومة خشيته فقال - تعالى - : { وَللَّهِ مُلْكُ السماوات . . . } .
قوله - تعالى - { وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أى له وحده - سبحانه - ملك السموات والأرض بما فيهما ، فهو وحده صاحب السلطان القاهر فى هذا العالم يتصرف فيه كيفما يشاء ويختار : إيجادا وإعداما ، وإحياء وإماتة ، وتعذيبا وإثابة ، وهو - سبحانه - على كل شى قدير ، لا يعجزه أمر ، ولا يدفع عقابه دافع ، ولا يمنع عقابه مانع ، فعليكم أيها الناس أن تطيعوه وأن تحذروا غضبه ونقمته .
وبعد أن بين - سبحانه - أن ملك السموات والأرض بقبضته ، أشار - سبحانه - إلى ما فيهما من عبر وعظات فقال : { إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيَاتٍ لأُوْلِي الألباب } .
أى : إن فى إيجاد السموات والأرض على هذا النحو البديع ، وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة من كواكب وبحار وزروع وأشجار . . . وفى إيجاد الليل والنهار على تلك الحالة المتعاقبة ، وفى اختلافهما طولا وقصرا . . فى كل ذلك لأمارات واضحة ، وأدلة ساطعة ، لأصحاب العقول السليمة على وحدانية الله - تعالى - وعظيم قدرته ، وباهر حكمته .
وصدرت الجملة الكريمة بحرف " إن " للاهتمام بالخبر ، وللاعتناء بتحقيق مضمون الجملة .
أى إن فى إيجاد السموات والأرض وإنشائهما على ما هما عليه من العجائب ، وما اشتملتا عليه من البدائع ، وفى اختلاف الليل والنهار . . . إن فى كل ذلك من العبر والعظات ما يحمل كل عاقل على الاعتراف بوحدانية الله ، وكمال قدرته وحكمته .
والمراد بأولى الألباب : أصحاب العقول السليمة ، والأفكار المستقيمة ، لأن لب الشىء هو خلاصته وصفوته .
ولقد قال الزمخشرى فى صفة أولى الألباب : " هم الذين يفتحون بصائرهم للنظر والاستدلال والاعتبار ، ولا ينظرون إليها نظر البهائم غافلين عما فيها من عجائب الفطرة . وفى الحكم : املأ عينيك من زينة هذه الكواكب ، وأجلهما فى جملة هذه العجائب متفكرا فى قدرة مقدرها ، متدبرا فى حكمة مدبرها قبل أن يسافر بك القدر ، ويحال بينك وبين النظر " .
هذا ، وقد أورد المفسرون كثيرا من الآثار فى فضل هذه الآيات العشر التى اختتمت بها سورة آل عمران ، ومن ذلك قول ابن كثير - رحمه الله - :
{ وَللّهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
وهذا تكذيب من الله جلّ ثناؤه الذين قالوا : { إنّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنحْنُ أغْنِياءُ } يقول تعالى ذكره مكذّبا لهم : لله ملك جميع ما حوته السموات والأرض ، فكيف يكون أيها المفترون على الله من كان ملك ذلك له فقيرا ! ثم أخبر جلّ ثناؤه أنه القادر على تعجيل العقوبة لقائلي ذلك ولكلّ مكذب به ومفتر عليه وعلى غير ذلك مما أراد وأحبّ ، ولكنه تفضل بحلمه على خلقه ، فقال : { وَاللّهُ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } يعني : من إهلاك قائل ذلك ، وتعجيل عقوبته لهم ، وغير ذلك من الأمور .
ثم استفتح القول بذكر قدرة الله تعالى وملكه فقال : { ولله ملك السماوات والأرض } الآية ، قال بعض المفسرين : الآية رد على الذين قالوا : { إن الله فقير ونحن أغنياء } [ آل عمران : 181 ] وقوله تعالى : { والله على كل شيء قدير } . قال القاضي ابن الطيب وغيره : ظاهره العموم ، ومعناه الخصوص لأن الله تعالى لا يوصف بالقدرة على المحالات و هو الموجود مقتضى كلام العرب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.