ثم بين - سبحانه - أن نصرة رسله سنة من سننه التى لا تتخلف فقال : { سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً } .
ولفظ { سنة } منصوب على أنه مصدر مؤكد ، أى : سن الله ما قصه عليك سنة ، وهذه السنة هى أننا لا نترك بدون عقاب أمة أخرجت رسولها من أرضه ، وقد فعلنا ذلك مع الأقوام السابقين الذين أخرجوا أنبياءهم من ديارهم ولا تجد - أيها الرسول الكريم - لسنتنا وطريقتنا تحويلا أو تبديلا ، ولولا أننا قد منعنا عن قومك عذاب الاستئصال لوجودك فيهم ، لأهلكناهم بسبب إيذائهم لك ، وتطاولهم عليك .
{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ . . . }
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد حكت لنا جانباً من المسالك الخبيثة التى اتبعها المشركون مع النبى صلى الله عليه وسلم كما حكت لنا ألواناً من فضل الله - تعالى - على نبيه صلى الله عليه وسلم حيث عصمه من أى ركون إليهم ووعده بالنصر عليهم .
ثم أرشد الله - تعالى - رسوله صلى الله عليه وسلم إلى ما يعينه على التغلب على كيد المشركين ، وإلى ما يزيده رفعة فى الدرجة ، وبشره بأن ما معه من حق ، سيزهق ما مع أعدائه من باطل فقال - تعالى - : { أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً . . . } .
ولو أخرجوا الرسول [ ص ] عنوة وقسرا لحل بهم الهلاك ( وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ) فهذه هي سنة الله النافذة : ( سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ، ولا تجد لسنتنا تحويلا ) .
ولقد جعل الله هذه سنة جارية لا تتحول ، لأن إخراج الرسل كبيرة تستحق التأديب الحاسم . وهذا الكون تصرفه سنن مطردة ، لا تتحول أمام اعتبار فردي . وليست المصادفات العابرة هي السائدة في هذا الكون ، إنما هي السنن المطردة الثابتة . فلما لم يرد الله أن يأخذ قريشا بعذاب الإبادة كما أخذ المكذبين من قبل ، لحكمة علوية ، لم يرسل الرسول بالخوارق ، ولم يقدر أن يخرجوه عنوة ، بل أوحى إليه بالهجرة . ومضت سنة الله في طريقها لا تتحول . .
القول في تأويل قوله تعالى { سُنّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنّتِنَا تَحْوِيلاً } .
يقول تعالى ذكره : لو أخرجوك لم يلبثوا خلافك إلاّ قليلاً ، ولأهلكناهم بعذاب من عندنا ، سنتنا فيمن قد أرسلنا قبلك من رسلنا ، فإنا كذلك كنا نفعل بالأمم إذا أخرجت رسلها من بين أظهرهم ونصبت السنة على الخروج من معنى قوله لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إلاّ قَلِيلاً لأن معنى ذلك : لعذّبناهم بعد قليل كسنتنا في أمم من أرسلنا قبلك من رسلنا ، ولا تجد لسنتنا تحويلاً عما جرت به . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : سُنّةَ مَنْ قَدْ أرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنّتِنا تَحْوِيلاً : أي سنة الأمم والرسل كانت قبلك كذلك إذا كذّبوا رسلهم وأخرجوهم ، لم يناظروا أن الله أنزل عليهم عذابه .
وقوله { سنّة } نصب على المصدر ، وقال الفراء نصبه على حذف الخافض ، لأن المعنى كسنة ، فحذفت الكاف ونصب ويلزمه على هذا أن لا يقف على قوله { قليلاً } ، ومعنى الآية الإخبار أن سنة الله تعالى في الأمم الخالية وعادته أنها إذا أخرجت نبيها من بين أظهرها نالها العذاب واستأصلها الهلاك فلم تلبث بعده إلا قليلاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.