مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{سُنَّةَ مَن قَدۡ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِن رُّسُلِنَاۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحۡوِيلًا} (77)

ثم قال تعالى : { سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا } يعني أن كل قوم أخرجوا نبيهم من ظهرانيهم فسنة الله أن يهلكهم فقوله : { سنة } نصب على المصدر المؤكد أي سننا ذلك سنة فيمن قد أرسلنا قبلك ثم قال : { ولا تجد لسنتنا تحويلا } والمعنى أن ما أجرى الله تعالى به العادة لم يتهيأ لأحد أن يقلب تلك العادة وتمام الكلام في هذا الباب أن اختصاص كل حادث بوقته المعين وصفته المعينة ليس أمرا ثابتا له لذاته وإلا لزم أن يدوم أبدا على تلك الحالة وأن لا يتميز الشيء عما يماثله في تلك الصفات بل إنما يحصل ذلك الاختصاص بتخصيص المخصص وذلك التخصيص هو أنه تعالى يريد تحصيله في ذلك الوقت ثم تتعلق قدرته بتحصيله في ذلك الوقت ثم يتعلق علمه بحصوله في ذلك الوقت ثم نقول هذه الصفات الثلاثة التي هي المؤثرة في حصول ذلك الاختصاص إن كانت حادثة افتقر حدوثها إلى تخصيص آخر ولزم التسلل وهو محال وإن كانت قديمة فالقديم يمتنع تغيره لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه ولما كان التغير على تلك الصفات المؤثرة في ذلك الاختصاص ممتنعا كان التغير في تلك الأشياء المقدرة ممتنعا فثبت بهذا البرهان صحة قوله تعالى : { ولا تجد لسنتنا تحويلا } .