اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{سُنَّةَ مَن قَدۡ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ مِن رُّسُلِنَاۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحۡوِيلًا} (77)

قوله تعالى : { سُنَّةَ } : فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن ينتصب على المصدر المؤكِّد ، أي : سنَّ الله ذلك سنة ، أو سننَّا ذلك سُنَّة .

الثاني : - قاله الفراء{[20608]} - رحمه الله - أنه على إسقاط الخافض ، أي : كسُنَّةِ الله تعالى ، وعلى هذا لا يوقف على قوله " إلاَّ قليلاً " .

الثالث : أن ينتصبَ على المفعول به ، أي : اتَّبعْ سُنَّة .

فصل في سنة الله في رسله

سنة الله في الرُّسل ، إذا كذَّبتهم الأممُ : ألا يعذِّبهم ، ما دام نبيُّهم بين أظهرهم ، فإذا خرج نبيهم من بين أظهرهم ، عذَّبهم { وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً } أي : إنَّ ما أجرى الله به العادة ، لم يتهيَّأ لأحدٍ أن يقلب تلك العادة ؛ لأنَّ اختصاص كلِّ حادثٍ بوقته المعيَّن ، وصفته المعينة ليس أمراً ثابتاً له لذاته ، وإلا لزم أن يدوم أبداً على تلك الحالة ، وألاَّ يتميَّز الشيء عمَّا يماثلهُ في تلك الصِّفات ، بل إنَّما يحصل ذلك التخصيص بتخصيص المخصِّص ، وهو الله تعالى يريد تحصيله في ذلك الوقتِ ، ثم تتعلق قدرته بتحصيله في ذلك الوقت ، فنقول : هذه الصفات الثلاث المؤثرة في حصول ذلك الاختصاص ، إن كانت حادثة ، افتقر حدوثها إلى مخصِّصٍ آخر ، وتسلسل ؛ وهو محالٌ ، وإن كانت قديمة ، فالقديم يمتنع تغيُّره ؛ لأنَّ ما ثبت قدمه ، امتنع عدمه ، ولمَّا كان التغيُّر على تلك الصِّفات المؤثِّرة في ذلك الاختصاص ممتنعاً ، كان التغيُّر في تلك الأشياء المقدرة ممتنعاً ، فثبت بهذا البرهان صحَّة قوله تعالى : { وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً } .


[20608]:ينظر: معاني القرآن للفراء 2/129.