وقوله - تعالى - : { وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد . وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد } معطوف على ما قبله . والمراد بثمود : القبيلة المسماة بهذا الاسم ، نسبة إلى جدها ثمود ، وقد أرسل الله - تعالى - إليهم نبيهم صالحا - عليه السلام - فكذبوه ، فأهلكهم الله - تعالى - .
وكانت مساكنهم بين الشام والحجاز ، ومازالت معروفة حتى الآن باسم قرى صالح .
وقوله : { جَابُواْ } بمعنى قطعوا . من الجوب بمعنى القطع والخرق ، والصخرة الحجارة العظيمة .
والواد : اسم للأرض المنخفضة بين مكانين مرتفعين ، وكان هؤلاء القوم يقطعون الصخور من الجبال ، ليتخذوا منها بيوتهم بواديهم ، أى : بالمكان الذى كانوا يسكنونه .
فقوله : { بالواد } علم بالغلبة للمكان الذى كانوا يسكنون فيه ، ويسمى بوادى القرى ، وقد قال - تعالى - فى شأنهم : { وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً فَارِهِينَ }
وقوله : وَثَمُودَ الّذِينَ جابُوا الصّخْرَ بِالْوَادِ يقول : وبثمود الذي خرقوا الصخر ودخلوه ، فاتخذوه بيوتا ، كما قال جلّ ثناؤه وكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتا آمِنِينَ والعرب تقول : جاب فلان الفلاة يجوبها جوبا : إذا دخلها وقطعها ومنه قول نابغة :
أتاكَ أبُو لَيْلَى يجُوبُ بِهِ الدّجَى *** دُجَى اللّيلِ جَوّابُ الفَلاةِ عَمِيمُ
يعني بقوله : يجوب : يدخل ويقطع . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : وَثَمُودَ الّذِينَ جابُوا الصّخْرَ بِالْوَادِ يقول : فخرقوها .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَثَمُودَ الّذِينَ جابُوا الصّخْرَ بِالْوَادِ يعني : ثمود قوم صالح ، كانوا ينحِتون من الجبال بيوتا .
حدثني محمد بن عمارة ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد في قوله : الّذِينَ جابُوا الصّخْرَ بِالْوَادِ قال : جابوا الجبال ، فجعلوها بيوتا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : وَثَمُودَ الّذِينَ جابُوَا الصّخْرَ بالْوَادِ : جابوها ونحتوها بيوتا .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : جابُوا الصّخْرَ قال : نَقَبوا الصخر .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : جابُوا الصّخْرَ بِالْوَادِ يقول : قَدّوا الحجارة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : الّذِينَ جابُوا الصّخْرَ بِالْوَادِ : ضربوا البيوت والمساكن في الصخر في الجبال ، حتى جعلوا فيها مساكن ، جابوا : جوّبوها ، تجوّبوا البيوت في الجبال قال قائل :
ألا كُلّ شَيْءٍ ما خَلا اللّهَ بائِدٌ *** كمَا بادَ حَيّ مِنْ شَنِيقٍ وَمارِدِ
هُمُ ضَرَبُوا فِي كُلّ صَلاّءَ صَعْدَةٍ *** بأيْدٍ شِدَادٍ أيّدَاتِ السّوَاعِدِ
وقرأ يحيى بن وثاب «وثموداً » بتنوين الدال ، و { جابوا الصخر } معناه خرقوه ونحتوه ، وكانوا في أوديتهم قد نحتوا بيوتهم في حجارة ، و «الوادي » ما بين الجبلين وإن لم يكن فيه ماء ، هذا قول كثير من المفسرين في معنى { جابوا الصخر بالواد } وقال الثعلبي : يريد بوادي القرى ، وقال قوم : المعنى جابوا واديهم وجلبوا ماءهم في صخر شقوه ، وهذا فعل ذوي القوة والآمال ، وقرأ ابن كثير بالوادي «بياء ، وقرأ أكثر السبعة » بالواد «ياء واختلف في ذلك نافع ، وقد تقدم هذا .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم ذكر ثمود ، فقال : { وثمود } وهو أبوهم ، وبذلك سماهم ، وهم قوم صالح ، فقال :{ الذين جابوا الصخر بالواد } يقول : الذين نقبوا الصخر بالوادي ، وذلك أنهم كانوا يعمدون إلى أعظم جبل فيثقبونه ، فيجعلونه بيتا ... فذلك قوله : { وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين } [ الشعراء :149 ] ،...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وبثمود الذي خرقوا الصخر ودخلوه ، فاتخذوه بيوتا ، كما قال جلّ ثناؤه "وكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الجِبالِ بُيُوتا آمِنِينَ" والعرب تقول : جاب فلان الفلاة يجوبها جوبا : إذا دخلها وقطعها ...
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
قطّعوا وخرقوا { الصَّخْرَ } الحجر واحدتها صخرة { بِالْوَادِ } يعني بوادي القرى...
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
وإنما سمي جيب القميص لأنه جيب، أي قطع . .. وروى أبو الأشهب عن أبي نضرة قال : أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزاة تبوك على وادي ثمود ، وهو على فرس أشقر ، فقال : "أسرعوا السير ، فإنكم في واد ملعون" . وقيل : الوادي بين جبال ، وكانوا ينقبون في تلك الجبال بيوتا ودورا وأحواضا . وكل منفرج بين جبال أو تلال يكون مسلكا للسيل ومنفذا فهو واد . ... .
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما بدأ بهؤلاء لأن أمرهم كان أعجب ، وقصتهم أنزه وأغرب ، ثنى بأقرب الأمم إليهم زماناً وأشبههم بهم شأناً لأنهم أترفوا بما حبوا به من جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم ، فجعلوا موضع ما لزمهم من الشكر الكفر ، واستحبوا العمى على الهدى ، مع ما في آيتهم ، وهي الناقة ، من عظيم الدلالة على القدرة فقال : { وثمود الذين جابوا } أي نقبوا وقطعوا قطعاً حقيقياً كأنه عندهم كالواجب { الصخر بالواد } أي وادي الحجر أو وادي القرى ، فجعلوا بيوتاً منقورة في الجبال فعل من يغتال الدهر ويفني الزمان...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وكانت ثمود تسكن بالحجر في شمال الجزيرة العربية بين المدينة والشام . وقد قطعت الصخر وشيدته قصورا ؛ كما نحتت في الجبال ملاجئ ومغارات ....
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.