افتتحت هذه السورة بحرفين من حروف الهجاء ، وأتبعت ذلك ببيان أن تنزيل القرآن من الله العزيز الحكيم ، ثم عرضت أدلة كونية وعقلية لإثبات عقيدة الإيمان ، والدعوة إلى اعتناقه ، كما تضمنت الدعاء على المكذبين للآيات ، ثم أخذت تعدد نعم الله وفضله على عباده ، وطلبت من المؤمنين أن يغفروا للمنكرين ، فالله وحده هو الذي يجزي كل نفس بما كسبت ، وبعد ذلك تحدثت السورة عما تفضل الله به على بني إسرائيل من نعم كثيرة ، وما وقع بينهم من اختلاف سيقضي الله فيه يوم القيامة . ثم أخذت تفرق بين من اتبعوا الحق ومن اتبعوا الهوى ، فأنكروا البعث وردوا آيات القدرة بطلبهم إحياء آبائهم ، والله هو المحيي والمميت له ملك كل شيء ، ويوم يحشر المبطلون تدعى كل نفس إلى كتابها ، ويفوز المؤمنون ويؤنب المستكبرون ، وتعود السورة إلى الحديث عن إنكارهم الساعة وتكذيبهم بالآيات الدالة عليها ، وعن نسيان الله إياهم كما نسوا هذا اليوم ، وبيان أن مأواهم النار باستهزائهم بآيات الله وغرورهم بالدنيا ، وختمت السورة بالثناء على خالق السماوات والأرض ، صاحب الكبرياء فيهما ، العزيز الحكيم .
1- حم : حرفان من الحروف الصوتية ابتدأت بهما هذه السورة على طريقة القرآن في افتتاح بعض سوره بمثل هذه الحروف للإشارة إلى عجز المشركين عن الإتيان بمثله مع أنه مؤلف من الحروف التي يستعملونها في كلامهم .
سورة الجاثية{[1]} وتسمى{[2]} الشريعة
مقصودها الدلالة على أن منزل {[3]}هذا الكتاب{[4]}-كما دل عليه في{[5]} الدخان- ذو العزة ؛لأنه لا يغلبه شيء ، وهو يغلب كل شيء ، والحكمة ؛ لأنه لم يضع شيئا إلا في أحكم مواضعه ، فعلم أنه المختص بالكبرياء فوضع شرعا[ هو-{[6]} ] في غاية الاستقامة لا تستقل العقول بإدراكه ولا يخرج شيء منه عنه ، أمر فيه ونهي ، ورغب[ ورهب-{[7]} ] ثم بطن حتى أنه لا يعرف ، ثم ظهر حتى أنه لا يجهل ، فمن المكلفين [ من حكم-{[8]} ]عقله وجانب هواه فشهد جلاله فسمع وأطاع ، ومنهم من تبع هواه فضل عن نور العقل فزاغ وأضاع{[9]} فاقتضت الحكمة ولا بد أن يجمع سبحانه الخلق ليوم الفصل فيظهر كل الظهور ويدين عباده ليشهد رحمته المطيع وكبرياءه العاصي ، وينشر العدل ويظهر الفضل ، ويتجلى في جميع صفاته لجميع خلقه ، وعلى ذلك دل اسمها الشريعة ، واسمها الجاثية واضح الدلالة فيه إذا تؤمل كل من آيتيهما-والله سبحانه وتعالى الهادي . { بسم الله } الذي تفرد بتمام العز والكبرياء { الرحمن } الذي أحكم رحمته بالبيان العام للسعداء والأشقياء ( الرحيم ) الذي خص بملابس طاعته الأولياء .
{ حم * } أي حكمة محمد إليها المنتهى{[57803]} كما تقدم في الدخان ما أفهم إنزاله من أم الكتاب جملة إلى بيت العزة ، ودل على بركته مما دل على حكمة منزله وعزته{[57804]} بالبشارة والنذارة والإيقاع بالمجرمين بعد طول الحلم{[57805]} والأناة والنجاة للمتقين وغير ذلك من أمور هي في غاية الدلالة على ذلك ؛ لأنها راجعة إلى الحس لمن ألقى السمع ، وهو شهيد ، وأشار إلى سهولتها {[57806]}على من{[57807]} تأمل هذا الذكر المترجم بلسان أعلى الخلق وأكملهم وأشرفهم خلائق{[57808]} وأفضلهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.