المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِيَ يَٰمُوسَىٰٓ} (11)

11- فلما بلغ مكانها ، سمع صوتاً عُلْوِيا يناديه : يا موسى .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِيَ يَٰمُوسَىٰٓ} (11)

يقول تعالى : { فَلَمَّا أَتَاهَا } أي : النار واقترب{[19225]} منها ، { نُودِيَ يَا مُوسَى } وفي الآية الأخرى : { نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ } [ القصص : 30 ]


[19225]:في ف: "وقرب"، وفي أ: "وأقرب".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِيَ يَٰمُوسَىٰٓ} (11)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّآ أَتَاهَا نُودِيَ يَمُوسَىَ * إِنّيَ أَنَاْ رَبّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدّسِ طُوًى } .

يقول تعالى ذكره : فلما أتى النار موسى ، ناداه ربه : يا مِوسَى إنّي رَبّك فاخْلَعْ نَعْلَيْكَ كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن وهب بن منبه ، قال : خرج موسى نحوها ، يعني نحو النار ، فإذا هي في شجر من العليق ، وبعض أهل الكتاب يقول في عوسجة فلما دنا استأخرت عنه فلما رأى استئخارها رجع عنها ، وأوجس في نفسه منها خيفة فلما أراد الرجعة ، دنت منه ثم كلم من الشجرة ، فلما سمع الصوت استأنس ، وقال الله تبارك وتعالى : يا مُوسَى اخْلَعْ نَعْلَيْكَ إنّكَ بالوَادِ المُقَدّسِ طُوًى فخلعها فألفاها .

واختلف أهل العلم في السبب الذي من أجله أمر الله موسى بخلع نعليه ، فقال بعضهم : أمره بذلك ، لأنهما كانتا من جلد حمار ميت ، فكره أن يطأ بهما الوادي المقدّس ، وأراد أن يمسه من بركة الوادي . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عاصم ، عن أبي قلابة ، عن كعب ، أنه رآهم يخلعون نعالهم اخْلَعْ نَعْلَيْكَ إنّكَ بالوَادِ المُقَدّسِ طُوى فقال : كانت من جلد حمار ميت ، فأراد الله أن يمسه القدس .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة ، في قوله " فاخْلَعْ نَعْلَيْكَ " قال : كانتا من جلد حمار ميت .

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعد ، عن قَتادة ، قال : حدثنا ، أن نعليه كانتا من جلد حمار ، فخلعهما ثم أتاه .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، في قوله " فاخْلَعْ نَعْلَيْكَ " قال : كانتا من جلد حمار ، فقيل له اخلعهما .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج . قال : وأخبرني عمر بن عطاء عن عكرمة وأبو سفيان ، عن معمر ، عن جابر الجعفي ، عن عليّ بن أبي طالب " فاخْلَعْ نَعْلَيْكَ " قال : كانتا من جلد حمار ، فقيل له اخلعهما . قال : وقال قَتادة مثل ذلك .

وقال آخرون : كانتا من جلد بقر ، ولكن الله أراد أن يطأ موسى الأرض بقدميه ، ليصل إليه بركتها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال الحسن : كانتا ، يعني نعلي موسى ، من بقر ، ولكن إنما أراد الله أن يباشر بقدميه بركة الأرض ، وكان قد قدس مرّتين . قال ابن جُرَيْج : وقيل لمجاهد : زعموا أن نعليه كانتا من جلد حمار أو ميتة ، قال : لا ، ولكنه أمر أن يباشر بقدميه بركة الأرض .

حدثني يعقوب ، قال : قال أبو بشر ، يعني ابن علية ، سمعت ابن أبي نجيح ، يقول في قوله : " فاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إنّكَ بالْوَادِ المُقَدّسِ طُوًى " قال : يقول : أفض بقدميك إلى بركة الوادي .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : أمره الله تعالى ذكره بخلع نعليه ليباشر بقدميه بركة الوادي ، إذ كان واديا مقدسا .

وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب ، لأنه لا دلالة في ظاهر التنزيل على أنه أمر بخلعهما من أجل أنهما من جلد حمار ولا لنجاستهما ، ولا خبر بذلك عمن يلزم بقوله الحجة ، وإن في قوله إنّكَ بالوَادِ المُقَدّسِ بعقبه دليلاً واضحا ، على أنه إنما أمره بخلعهما لما ذكرنا . ولو كان الخبر الذي :

حدثنا به بشر قال : حدثنا خلف بن خليفة عن حميد بن عبد الله بن الحارث ، عن ابن مسعود ، عن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، قال : «يَوْمَ كَلّمَ اللّهُ مُوسَى ، كانَتْ عَلَيْهِ جُبّةُ صُوفٍ وكساءُ صُوفٍ ، وسَرَاوِيلُ صُوفٍ ، وَنَعْلانِ مِنْ جِلْدِ حِمارٍ غيرِ مُذَكَى » صحيحا لم نعده إلى غيره ، ولكن في إسناده نظر يجب التثبت فيه .

واختلفت القراءة في قراءة قوله : " إنّي أنا رَبّكَ " فقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة والبصرة : «نُودِيَ يا مُوسَى أنّي » بفتح الألف من «أني » ، فأنّ على قراءتهم في موضع رفع بقوله : نودي ، فإن معناه كان عندهم : نودي هذا القول . وقرأه بعض عامة قرّاء المدينة والكوفة بالكسر : نُودِيَ يا موسى إني على الابتداء ، وأن معنى ذلك قيل : يا موسى إني .

قال أبو جعفر : والكسر أولى القراءتين عندنا بالصواب ، وذلك أن النداء قد حال بينه وبين العمل في أن قوله «يا موسى » ، وحظ قوله «نودي » أن يعمل في أن لو كانت قبل قوله «يا موسى » ، وذلك أن يقال : نودي أن يا موسى إني أنا ربك ، ولا حظّ لها في «إن » التي بعد موسى .

وأما قوله : " إنّكَ بالوَادِ المُقَدّسِ " فإنه يقول : إنك بالوادي المطهر المبارك ، كما :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : " إنّكَ بالوَادِ المُقَدّسِ " يقول المبارك .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال مجاهد ، قوله " إنّكَ بالوَادِ المُقَدّسِ طُوًى " قال : قُدّس بُورك مرّتين .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، قوله : " إنّكَ بالوَادِ المُقَدّسِ طُوًى " قال : بالوادي المبارك .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله طُوًى فقال بعضهم : معناه : إنك بالوادي المقدس طويته ، فعلى هذا القول من قولهم طوى مصدر خرج من غير لفظه ، كأنه قال : طويت الوادي المقدس طوى . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : قوله : " إنّكَ بالوَادِ المُقَدّسِ طُوًى " يعني الأرض المقدسة ، وذلك أنه مرّ بواديها ليلاً فطواه ، يقال : طويت وادي كذا وكذا طوى من الليل ، وارتفع إلى أعلى الوادي ، وذلك نبيّ الله موسى صلى الله عليه وسلم .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : مرّتين ، وقال : ناداه ربه مرّتين فعلى قول هؤلاء طوى مصدر أيضا من غير لفظه ، وذلك أن معناه عندهم : نودي يا موسى مرّتين نداءين . وكان بعضهم ينشد شاهدا لقوله طوى ، أنه بمعنى مرّتين ، قول عديّ بن زيد العبادي :

أعاذِلَ إنّ اللّوْمَ فِي غَيْرِ كُنْهِهِ *** عَليّ طُوىً مِنْ غَيّكِ المُتَرَدّدِ

وروى ذلك آخرون : «عليّ ثِنىً » : أي مرّة بعد أخرى ، وقالوا : طُوىً ونِثىً بمعنى واحد . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، " فاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إنّكَ بالوَادِ المُقَدّسِ طُوًى " كنا نحدّث أنه واد قدّس مرّتين ، وأن اسمه طُوَى .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنه قدّس طوى مرّتين . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جُرَيج ، قال الحسن : كان قد قدّس مرّتين .

وقال آخرون : بل طُوى : اسم الوادي . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : طُوَى : اسم للوادي .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : طُوى : قال : اسم الوادي .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " بالوَادِ المُقَدّسِ طُوًى " قال : ذاك الوادي هو طوى ، حيث كان موسى ، وحيث كان إليه من الله ما كان . قال : وهو نحو الطور .

وقال آخرون : بل هو أمر من الله لموسى أن يطأ الوادي بقدميه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن منصور الطوسي ، قال : حدثنا صالح بن إسحاق ، عن جعفر بن برقان ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، في قول الله تبارك وتعالى : " اخْلَعْ نَعْلَيْكَ إنّكَ بالوَادِ المُقَدّسِ طُوًى " قال : طأ الوادي .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا الحسن ، عن يزيد ، عن عكرمة ، في قوله : طُوًى قال : طأ الوادي .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن سعيد بن جبير ، في قول الله طُوًى قال : طأ الأرض حافيا ، كما تدخل الكعبة حافيا ، يقول : من بركة الوادي .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد طُوًى طأ الأرض حافيا .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأه بعض قرّاء المدينة : «طُوَى » بضم الطاء وترك التنوين ، كأنهم جعلوه اسم الأرض التي بها الوادي ، كما قال الشاعر :

نَصَرُوا نَبِيّهُمُ وَشَدّوا أزْرَهُ *** بِحُنَيْنَ حِينَ تَوَاكُلِ الأبْطالِ

فلم يجرّ حنين ، لأنه جعله اسما للبلدة لا للوادي ولو كان جعله اسما للوادي لأجراه كما قرأت القرّاء : " وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ، إذْ أعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ " ، وكما قال الاَخر :

ألَسْنا أكْرَمَ الثّقَلَيْنِ رَحْلاً *** وأعْظَمَهُمْ بِبَطْنِ حرَاءَ نارَا

فلم يجرّ حراء ، وهو جبل ، لأنه جعله اسما للبلدة ، فكدلك «طُوَى » في قراءة من لم يجره جعله اسما للأرض . وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة : طُوًى بضم الطاء والتنوين وقارئو ذلك كذلك مختلفون في معناه على ما قد ذكرت من اختلاف أهل التأويل فأما من أراد به المصدر من طويت ، فلا مؤنة في تنوينه وأما من أراد أن يجعله اسما للوادي ، فإنه إنما ينوّنه لأنه اسم ذكر لا مؤنث ، وأن لام الفعل منه ياء ، فزاده ذلك خفة فأجراه كما قال الله : " وَيَوْمَ حُنَيْنٍ " إذ كان حنين اسم واد ، والوادي مذكر .

قال أبو جعفر : وأولى القولين عندي بالصواب قراءة من قرأه بضم الطاء والتنوين ، لأنه إن يكن اسما للوادي فحظه التنوين لما ذكر قبل من العلة لمن قال ذلك ، وإن كان مصدرا أو مفسرا ، فكذلك أيضا حكمه التنوين ، وهو عندي اسم الوادي . وإذ كان ذلك كذلك ، فهو في موضع خفض ردّا على الوادي .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِيَ يَٰمُوسَىٰٓ} (11)

بني فعل النداء للمجهول زيادة في التشويق إلى استطلاع القصة ، فإبهام المنادي يشوّق سامع الآية إلى معرفته فإذا فاجأه { إنِّي أنا ربُّكَ } علم أنّ المنادي هو الله تعالى فتمكن في النفس كمال التمكن . ولأنه أدخل في تصوير تلك الحالة بأنّ موسى ناداه مناد غير معلوم له ، فحكي نداؤه بالفعل المبني للمجهول .