النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{فَلَمَّآ أَتَىٰهَا نُودِيَ يَٰمُوسَىٰٓ} (11)

قوله تعالى : { فلمَّا أتَاهَا } يعني النار ، التي هي نور { نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ } وفي هذا النداء قولان :

أحدهما : أنه تفرد بندائه .

الثاني : أن الله أنطق النور{[1890]} بهذا النداء فكان من نوره الذي لا ينفصل عنه ، فصار نداء منه أعلمه به أنه ربه لتسكن نفسه ويحمل عنه أمره ، فقدم تأديبه بقوله : { فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ } الآية . وفي أمره بخلعهما قولان :

أحدهما : ليباشر بقدميه بركة الوادي المقدس ، قاله علي بن أبي طالب والحسن وابن جريج .

والثاني : لأن نعليه كانتا من جلد حمار ميت ، قاله كعب وعكرمة وقتادة .

{ إِنَكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ } فيه وجهان :

أحدهما : أن المقدس هو المبارك ، قاله ابن عباس ، ومجاهد .

والثاني : أنه المطهر ، قاله قطرب ، وقال الشاعر :

وأنت وصول للأقارب مدره *** بريء من الآفات من مقدس

وفي { طُوىً } خمسة تأويلات :

أحدها : أنه اسم من طوى لأنه مر بواديها ليلاً فطواه ، قاله ابن عباس .

الثاني : سمي طوى لأن الله تعالى ناداه مرتين . وطوى في كلامهم بمعنى مرتين ، لأن الثانية إذا أعقبتها الأولى صارت كالمطوية عليها .

الثالث : بل سمي بذلك لأن الوادي قدس مرتين ، قاله الحسن .

الرابع : أن معنى طوى : طَأِ الوادي بقدمك ، قاله مجاهد .

الخامس : أنه الاسم للوادي قديماً ، قاله ابن زيد :

فخلع موسى نعليه ورمى بهما وراء الوادي .


[1890]:وقيل: إن الله جعل الكلام في شجرة عليق كانت النار تخرج منها. قال أبو المعالي: وهذا مردود بل يجب اختصاص موسى عليه السلام بإدراك كلام الله تعالى خرقا للعادة. أي دون أن ينسب هذا الكلام إلى جسم من الأجسام كالشجرة أو النور أو غيرهما وإلا لما كان لموسى ميزة في ذلك.