المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{رَبَّنَآ ءَامَنَّا بِمَآ أَنزَلۡتَ وَٱتَّبَعۡنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (53)

53- ونحن نقول : يا ربنا ، صدَّقنا بكتابك الذي أنزلته على نبيك ، وامتثلنا أمر رسولك عيسى - عليه السلام - فاكتبنا من الشاهدين لرسولك بالتبليغ ، وعلى بني إسرائيل بالكفر والجحود .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{رَبَّنَآ ءَامَنَّا بِمَآ أَنزَلۡتَ وَٱتَّبَعۡنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (53)

33

ثم اتجهوا إلى ربهم يتصلون مباشرة به في هذا الأمر الذي يقومون عليه :

( ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول ، فاكتبنا مع الشاهدين ) .

وفي هذا التوجه لعقد البيعة مع الله مباشرة لفتة ذات قيمة . . إن عهد المؤمن هو ابتداء مع ربه ، ومتى قام الرسول بإبلاغه فقد انتهت مهمة الرسول من ناحية الاعتقاد ؛ وانعقدت البيعة مع الله ، فهي باقية في عنق المؤمن بعد الرسول . . وفيه كذلك تعهد لله باتباع الرسول . فليس الأمر مجرد عقيدة في الضمير ؛ ولكنة اتباع لمنهج ، والاقتداء فيه بالرسول . وهو المعنى الذي يركز عليه سياق هذه السورة - كما رأينا - ويكرره بشتى الأساليب .

ثم عبارة أخرى تلفت النظر في قول الحواريين : ( فاكتبنا مع الشاهدين ) . .

فأي شهادة وأي شاهدين ؟

إن المسلم المؤمن بدين الله مطلوب منه أن يؤدي شهادة لهذا الدين . شهادة تؤيد حق هذا الدين في البقاء ؛ وتؤيد الخير الذي يحمله هذا الدين للبشر . . وهو لا يؤدي هذه الشهادة حتى يجعل من نفسه ومن خلقه ومن سلوكه ومن حياته صورة حية لهذا الدين . صورة يراها الناس فيرون فيها مثلا رفيعا ، يشهد لهذا الدين بالأحقية في الوجود ، وبالخيرية والأفضلية على سائر ما في الأرض من أنظمة وأوضاع وتشكيلات .

وهو لا يؤدي هذه الشهادة كذلك حتى يجعل من هذا الدين قاعدة حياته ، ونظام مجتمعه ، وشريعة نفسه وقومه . فيقوم مجتمع من حوله ، تدبر أموره وفق هذا المنهج الإلهي القويم . . وجهاده لقيام هذا المجتمع ، وتحقيق هذا المنهج ؛ وإيثاره الموت في سبيله على الحياة في ظل مجتمع آخر لا يحقق منهج الله في حياة الجماعة البشرية . . هو شهادته بأن هذا الدين خير من الحياة ذاتها وهي أعز ما يحرص عليه الأحياء ! ومن ثم يدع ( شهيدا ) . .

فهؤلاء الحواريون يدعون الله أن يكتبهم مع الشاهدين لدينه . . أي أن يوفقهم ويعينهم في أن يجعلوا من أنفسهم صورة حية لهذا الدين ؛ وأن يبعثهم للجهاد في سبيل تحقيق منهجه في الحياة ، وإقامة مجتمع يتمثل فيه هذا المنهج . ولو أدوا ثمن ذلك حياتهم ليكونوا من( الشهداء )على حق هذا الدين .

وهو دعاء جدير بأن يتأمله كل من يدعي لنفسه الإسلام . . فهذا هو الإسلام ، كما فهمه الحواريون . وكما هو في ضمير المسلمين الحقيقيين ! ومن لم يؤد هذه الشهادة لدينه فكتمها فهو آثم قلبه . فأما إذا ادعى الإسلام ثم سار في نفسه غير سيرة الإسلام ؛ أو حاولها في نفسه ، ولكنه لم يؤدها في المجال العام ، ولم يجاهد لإقامة منهج الله في الحياة إيثارا للعافية ، وإيثارا لحياته على حياة الدين ، فقد قصر في شهادته أو أدى شهادة ضد هذا الدين . شهادة تصد الآخرين عنه . وهم يرون أهله يشهدون عليه لا له ! وويل لمن يصد الناس عن دين الله عن طريق ادعائه أنه مؤمن بهذا الدين ، وما هو من المؤمنين !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{رَبَّنَآ ءَامَنَّا بِمَآ أَنزَلۡتَ وَٱتَّبَعۡنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (53)

{ ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين } أي مع الشاهدين بوحدانيتك ، أو مع الأنبياء الذين يشهدون لأتباعهم ، أو مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم شهداء على الناس .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{رَبَّنَآ ءَامَنَّا بِمَآ أَنزَلۡتَ وَٱتَّبَعۡنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (53)

وقوله : { ربنا آمنا } من كلام الحواريين بقية قولهم ، وفرّعوا على ذلك الدعاء دعاءً بأن يجعلهم الله مع الشاهدين أي مع الذين شهدوا لرسل الله بالتبليغ ، وبالصدق ، وهذا مؤذن بأنهم تلقوا من عيسى فيما علّمهم إياه فضائل من يشهد للرسل بالصدق .