السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{رَبَّنَآ ءَامَنَّا بِمَآ أَنزَلۡتَ وَٱتَّبَعۡنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (53)

{ ربنا آمنا بما أنزلت } من الإنجيل { واتبعنا الرسول } عيسى { فاكتبنا مع الشاهدين } لك بالوحدانية أو مع النبيين الذين يشهدون لأتباعهم أو مع أمّة محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم شهداء على الناس وقال الحسن : كانوا قصارين سموا بذلك ؛ لأنهم كانوا يحورون الثياب أي : يبيضونها ، وعلى الأوّل سموا حواريين لبياض ثيابهم . وقال عطاء : سلمت مريم عيسى إلى أعمال شتى فكان آخر ما دفعته إلى الحواريين وكانوا قصارين وصباغين فدعته إلى رئيسهم ليتعلم منه فاجتمع عنده ثياب وعرض له سفر فقال : يا عيسى إنك قد تعلمت هذه الحرفة وأنا خارج في سفر لا أرجع إلى عشرة أيام وهذه ثياب مختلفة الألوان وقد علمت على كل واحد منها بخيط على اللون الذي يصبغ به فيجب أن تكون فارغاً منها عند قدومي ، وخرج فطبخ عيسى جباً واحداً على لون واحد وأدخل فيه جميع الثياب وقال : كوني بإذن الله تعالى على ما أريد منك فقدم الحواري والثياب كلها في الجب فقال : ما فعلت ؟ قال : فرغت منها قال : أين هي ؟ قال : في الجب قال : كلها ؟ قال : نعم قال : لقد أفسدت تلك الثياب فقال : قم فانظر فأخرج عيسى ثوباً أصفر وثوباً أخضر وثوباً أحمر إلى أن أخرجها على الألوان التي أرادها ، فجعل الحواري يتعجب وعلم أنّ ذلك من الله تعالى ، فقال للناس : تعالوا فانظروا فآمن هو وأصحابه وهم الحواريون وقال الكلبي وعكرمة : الحواريون الأصفياء وهم كانوا أصفياء عيسى أوّل من آمن به وكانوا اثني عشر من الحور وهو البياض الخاص ، وحواري الرجل صفوته وخالصته . وقيل للحضريات الحواريات لخلوص ألوانهنّ ونظافتهن قال القائل :

فقل للحواريات يبكين غيرنا *** ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح