وبينما هم في هذا الكرب ، بين الدع والنار التي تواجههم على غير إرادة منهم . يجيئهم الترذيل والتأنيب ، والتلميح إلى ما سبق منهم من التكذيب : ( أفسحر هذا ? أم أنتم لا تبصرون ? ) . فقد كانوا يقولون عن القرآن : إنه سحر . فهل هذه النار التي يرونها كذلك سحر ? ! أم إنه الحق الهائل الرعيب ? أم إنهم لا يبصرون هذه النار كما كانوا لا يبصرون الحق في القرآن الكريم ? !
15- { أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ } .
استفهام قصد به التقريع والتوبيخ والتهكّم ، وذلك لأن الكفار كانوا يقولون عن الرسول صلى الله عليه وسلم إنه ساحر مبين ، فقيل لهم أمام جهنم : هل هذه النار سحر وخيال لا حقيقة لها كما كنتم تقولون عن محمد إنه ساحر ؟ أم عميت عيونكم عن مشاهدة جهنم ، كما عميت قلوبكم في الدنيا عن مشاهدة الوحي والإيمان به ؟
والخلاصة : هل في المرئي شك ، أم في أبصاركم عِلل ؟ لا واحد منهما بموجود ، فالذي ترونه حق .
وقوله تعالى : { أَفَسِحْرٌ هذا } توبيخ وتقريع لهم حيث كانوا يسمونه سحراً كأنه قيل : كنتم تقولون للوحي الذي أنذركم بهذا سحراً أفهذا المصدق له سحر أيضاً وتقديم الخبر لأنه المقصود بالإنكار والمدار للتوبيخ .
{ أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ } أي أم أنتم عمي عن المخبر به كما كنتم في الدنيا عمياً عن الخبر والفاء مؤذنة بما ذكر وذلك لأنها لما كانت تقتضي معطوفاً عليه يصح ترتب الجملة أعني سحر هذا عليه وكانت هذه جملة واردة تقريعاً مثل { هذه النار } [ الطور : 14 ] الخ لم يكن بد من تقدير ذلك على وجه يصح الترتب ويكون مدلولاً عليه من السياق فقدّر كنتم تقولون إلى آخره ، ودل عليه قوله تعالى : { فِى خَوْضٍ يَلْعَبُونَ } [ الطور : 14 ] وقوله سبحانه : { هذه النار التي كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ } [ الطور : 12 ] وفي «الكشف » إن هذا نظير ما تستدل بحجة فيقول الخصم : هذا باطل فتأتى بحجة أوضح من الأول مسكتة وتقول : أفباطل هذا ؟ا تعيره بالإلزام بأن مقالته الأولى كانت باطلة ، وفي مثله جاز أن يقدر القول على معنى أفتقول باطل هذا وأن لا يقدر لابتنائه على كلام الخصم وهذا أبلغ ، و { أَمْ } كما هو الظاهر منقطعة ، وفي «البحر » لما قيل لهم : هذه النار وقفوا على الجهتين اللتين يمكن منهما دخول الشك في أنها النار وهي إما أن يكون ثمّ سحر يلبس ذات المرأى ، وإما أن يكون في ناظر الناظر اختلال ، والظاهر أنه جعل { أَمْ } معادلة والأول أبعد مغزى .
{ أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ } يحتمل أن الإشارة إلى النار والعذاب ، كما يدل عليه سياق الآية أي : لما رأوا النار والعذاب قيل لهم من باب التقريع : { أهذا سحر لا حقيقة له ، فقد رأيتموه ، أم أنتم في الدنيا لا تبصرون } أي : لا بصيرة لكم ولا علم عندكم ، بل كنتم جاهلين بهذا الأمر ، لم تقم عليكم الحجة ؟ والجواب انتفاء الأمرين :
أما كونه سحرا ، فقد ظهر لهم أنه أحق الحق ، وأصدق الصدق ، المخالف{[871]} للسحر من جميع الوجوه ، وأما كونهم لا يبصرون ، فإن الأمر بخلاف ذلك ، بل حجة الله قد قامت عليهم ، ودعتهم الرسل إلى الإيمان بذلك ، وأقامت من الأدلة والبراهين على ذلك ، ما يجعله من أعظم الأمور المبرهنة الواضحة الجلية .
ويحتمل أن الإشارة [ بقوله : { أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ } ] إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الحق المبين ، والصراط المستقيم أي : هذا الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم سحر أم عدم بصيرة بكم ، حتى اشتبه عليكم الأمر ، وحقيقة الأمر أنه أوضح من كل شيء وأحق الحق ، وأن حجة الله قامت عليهم{[872]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.