ثم يمضي سياق السورة في عرض مشاهد القيامة وما يكون فيها من شأن النفس اللوامة ، فيذكرهم بحقيقة نفوسهم وما يعتلج فيها من حب للدنيا وانشغال ، ومن إهمال للآخرة وقلة احتفال ؛ ويواجههم بموقفهم في الآخرة بعد هذا وما ينتهي إليه حالهم فيها . ويعرض لهم هذا الموقف في مشهد حي قوي الإيحاء عميق الإيقاع :
( كلا . بل تحبون العاجلة ، وتذرون الآخرة . وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة ؛ ووجوه يومئذ باسرة ، تظن أن يفعل بها فاقرة ) . .
وأول ما يلحظ من ناحية التناسق في السياق هو تسمية الدنيا بالعاجلة في هذا الموضع . ففضلا عن إيحاء اللفظ بقصر هذه الحياة وسرعة انقضائها - وهو الإيحاء المقصود - فإن هناك تناسقا بين ظل اللفظ وظل الموقف السابق المعترض في السياق ، وقول الله تعالى لرسوله [ صلى الله عليه وسلم ]( لا تحرك به لسانك لتعجل به ) . . فهذا التحريك وهذه العجلة هي أحد ظلال السمة البشرية في الحياة الدنيا . . وهو تناسق في الحس لطيف دقيق يلحظه التعبير القرآني في الطريق !
وقوله تعالى : { كلا بل تحبون العاجلة } رجوع إلى مخاطبة قريش ، فرد عليهم وعلى أقوالهم في رد الشريعة بقوله : { كلا } ليس ذلك كما تقولون . وإنما أنتم قوم قد غلبتكم الدنيا بشهواتها ، فأنتم تحبونها حباً تتركون معه الآخرة والنظر في أمرها .
وقرأ الجمهور «تحبون » بالتاء على المخاطبة ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والحسن ومجاهد والجحدري وقتادة «يحبون » بالياء على ذكر الغائب وكذلك «يذرون »
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لعباده المخاطبين بهذا القرآن المؤثرين زينة الحياة الدنيا على الآخرة: ليس الأمر كما تقولون أيها الناس من أنكم لا تبعثون بعد مماتكم، ولا تجازون بأعمالكم، لكن الذي دعاكم إلى قيل ذلك محبتكم الدنيا العاجلة، وإيثاركم شهواتها على آجل الآخرة ونعيمها، فأنتم تؤمنون بالعاجلة، وتكذّبون بالآجلة، عن قتادة، قوله:"كَلاّ بَلْ تُحِبّونَ العاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ "اختار أكثر الناس العاجلة، إلاّ من رحم الله وعصم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{كلا بل تحبون العاجلة} {وتذرون الآخرة} يقول: {كلا} ردع ومنع عما سبق منهم وفي قوله: {بل تحبون العاجلة} إبانة أن الذي حملهم على ما هم فيه من الحسبان أن العظام لا تجمع، وأن البعث ليس بشيء، حبهم العاجلة؛ وذلك أنهم أولعوا بالعاجلة، وأحبوها حبا أنساهم الإيمان بالآخرة والنظر في الحجج والبراهين التي لو أمعنوا النظر فيها أدّتهم إلى القول بالبعث، حتى صاروا إلى ألا يرجوا الآخرة.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
هي خطاب للكفار؛ لأنهم كانوا يعملون للدنيا ولا يعملون للآخرة.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
بل أنتم يا بني آدم لأنكم خلقتم من عجل وطبعتم عليه تعجلون في كل شيء، ومن ثم تحبون العاجلة.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
رجوع إلى مخاطبة قريش، فرد عليهم وعلى أقوالهم في رد الشريعة بقوله: {كلا} ليس ذلك كما تقولون. وإنما أنتم قوم قد غلبتكم الدنيا بشهواتها، فأنتم تحبونها حباً تتركون معه الآخرة والنظر في أمرها.
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :
وهذا الخطاب توبيخ للكفار ومن كان على مثل حالهم في حب الدنيا.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان سبحانه وتعالى قد ختم الكلام في المكذبين بأن أعمالهم محفوظة، وأن كل أحد على نفسه شاهد، لأنه يعلم جميل ما يفعل من قبيحه وإن اعتذر، ولولاه ما اشتد اتصاله به، وختم بضمان البيان للقرآن، فكان شاهداً بيناً على كل إنسان بما له من عظيم البيان.
قال نافياً لما يظن من جهلهم بقبيح أفعالهم الذي اقتضاه اعتذارهم مشعراً بأن الآدمي مطبوع على الاستعجال بعد النهي عن العجلة في أعز الأشياء وأعلاها وأهمها وأولاها، لأنه أصل الدين ليكون ذلك مؤكداً للنهي عن العجلة بالقرآن ومؤكداً لذمهم بحب العاجلة، مغلظاً لتوبيخهم على الميل مع الطبع وترك ما يقتضيه العلم والعقل: {كلا} أي لا يجهل أحد منهم قبائح ما ارتكبه وإن اعتذر، وما ارتكب شيئاً منها عن جهل {بل} هم {يحبون} أي محبة متجددة مستمرة على تجدد الزمان {العاجلة} بدليل أنهم يقبلون غاية الإقبال عليها فيأخذونها، وحبّها أوجب لهم ارتكاب ما يعلمون قبحه فإن الآخرة والأولى ضرتان من أحب إحداهما فعل ولا بد ما يباعده عن الأخرى، فإن "حبك للشيء يعمي ويصم " وهذا بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم في مطلق العجلة، فكيف بالعاجلة فإنما طبعناه على الكمال، فكان يعالج من العجلة بالقراءة شدة فحين نهيناه عن ذلك انتهى رجوعاً إلى طبعه الكامل الذي لا يشوبه نقص، وكذا كان أمره تكويناً لا إباء معه ولا كلفة، فإن نفسه المطمئنة هي الغالبة ولها السلطان الأكبر.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم يمضي سياق السورة في عرض مشاهد القيامة وما يكون فيها من شأن النفس اللوامة، فيذكرهم بحقيقة نفوسهم وما يعتلج فيها من حب للدنيا وانشغال، ومن إهمال للآخرة وقلة احتفال؛ ويواجههم بموقفهم في الآخرة بعد هذا وما ينتهي إليه حالهم فيها. ويعرض لهم هذا الموقف في مشهد حي قوي الإيحاء عميق الإيقاع:
(كلا. بل تحبون العاجلة، وتذرون الآخرة. وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة؛ ووجوه يومئذ باسرة، تظن أن يفعل بها فاقرة)..
وأول ما يلحظ من ناحية التناسق في السياق هو تسمية الدنيا بالعاجلة في هذا الموضع. ففضلا عن إيحاء اللفظ بقصر هذه الحياة وسرعة انقضائها -وهو الإيحاء المقصود- فإن هناك تناسقا بين ظل اللفظ وظل الموقف السابق المعترض في السياق، وقول الله تعالى لرسوله [صلى الله عليه وسلم] (لا تحرك به لسانك لتعجل به).. فهذا التحريك وهذه العجلة هي أحد ظلال السمة البشرية في الحياة الدنيا.. وهو تناسق في الحس لطيف دقيق يلحظه التعبير القرآني في الطريق!
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{كَلاَّ} كلمة رفض للواقع الذي يعيشه الناس في أوضاعهم الكافرة التي يحاولون إظهارها بمظهر الخلاف الفكري بين مسألتي الإيمان والكفر، ليبرروا بذلك مواقفهم غير المسؤولة، في ما يحاولون إثارته من الشبهات السطحية حول الآخرة.
{بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} وهي الدنيا التي استغرقتم في ملذّاتها وشهواتها وامتيازاتها بالمستوى الذي كنتم ترفضون من خلاله كل فكرٍ ووحيٍ يحدّد لكم حدود المواقف، وينظم حركة الشهوات، ويلغي الامتيازات الطبقية الاستكبارية التي استأثرتم بها على حساب المستضعفين المحرومين.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.