نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{كَلَّا بَلۡ تُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ} (20)

ولما كان سبحانه وتعالى قد ختم الكلام في المكذبين بأن أعمالهم محفوظة ، وأن كل أحد على نفسه شاهد ، لأنه يعلم جميل ما يفعل من قبيحه وإن اعتذر ، ولولاه{[70237]} ما اشتد اتصاله به ، وختم بضمان البيان للقرآن ، فكان شاهداً بيناً على كل{[70238]} إنسان بما له من عظيم البيان .

قال نافياً لما يظن من جهلهم بقبيح أفعالهم الذي اقتضاه اعتذارهم مشعراً بأن الآدمي مطبوع على الاستعجال بعد النهي عن العجلة في أعز الأشياء وأعلاها وأهمها وأولاها ، لأنه أصل الدين ليكون ذلك مؤكداً للنهي عن العجلة بالقرآن ومؤكداً لذمهم بحب العاجلة مغلظاً لتوبيخهم على الميل مع الطبع وترك ما يقتضيه العلم والعقل : { كلا } أي لا يجهل أحد منهم قبائح ما ارتكبه وإن اعتذر وما ارتكب شيئاً{[70239]} منها عن{[70240]} جهل { بل } هم { يحبون } أي محبة متجددة مستمرة على تجدد الزمان { العاجلة * } بدليل أنهم يقبلون{[70241]} غاية الإقبال عليها فيأخذونها ، وحبّها أوجب لهم ارتكاب ما يعلمون قبحه فإن الآخرة والأولى ضرتان{[70242]} من أحب إحداهما فعل ولا بد ما يباعده عن الأخرى ، فإن " حبك للشيء يعمي ويصم " وهذا بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم في مطلق العجلة فكيف بالعاجلة فإنما طبعناه على الكمال ، فكان يعالج من العجلة بالقراءة شدة فحين نهيناه عن ذلك انتهى رجوعاً إلى طبعه الكامل الذي لا يشوبه نقص ، وكذا كان أمره تكويناً{[70243]} لا إباء معه ولا كلفة ، فإن نفسه المطمئنة هي الغالبة ولها السلطان الأكبر ،


[70237]:من م، وفي الأصل و ظ: أولاه.
[70238]:من ظ و م، وفي الأصل: إن كان.
[70239]:من ظ و م،وفي الأصل: عن شيء.
[70240]:من ظ و م، وفي الأصل: من.
[70241]:من ظ و م، وفي الأصل: يقبل.
[70242]:زيد في الأصل: لو أقصاه، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[70243]:من ظ و م، وفي الأصل: تكوينا.