وقوله : { فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ } ، ذكر تعالى أنهم يأكلون من هذه الشجرة التي لا أبشع منها ، ولا أقبح من منظرها ، مع ما هي عليه من سوء الطعم والريح والطبع ، فإنهم ليضطرون إلى الأكل منها ، لأنهم لا يجدون إلا إياها ، وما{[24985]} في معناها ، كما قال [ تعالى ] : {[24986]} { لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ . لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ } [ الغاشية : 6 ، 7 ] .
وقال ابن أبي حاتم ، رحمه الله : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن مرزوق ، حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية ، وقال : «اتقوا الله حق تقاته ، فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا ، لأفسدت على أهل الأرض معايشهم فكيف بمن يكون طعامه ؟ » .
ورواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، من حديث شعبة ، {[24987]} وقال الترمذي : حسن صحيح .
يقول تعالى ذكره : أهذا الذي أعطيت هؤلاء المؤمنين الذين وصفت صفتهم من كرامتي في الجنة ، ورزقتهم فيها من النعيم خير ، أو ما أعددت لأهل النار من الزّقُوم . وعُنِي بالنزل : الفضل ، وفيه لغتان : نُزُل ونُزْل يقال للطعام الذي له ريع : هو طعام له نُزْل ونُزُل . وقوله : أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ ذكر أن الله تعالى لما أنزل هذه الاَية قال المشركون : كيف ينبتُ الشجر في النار ، والنار تُحْرق الشجر ؟ فقال الله : إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً للظّالِمِينَ يعني لهؤلاء المشركين الذين قالوا في ذلك ما قالوا ، ثم أخبرهم بصفة هذه الشجرة فَقالَ إنّها شَجَرَةُ تَخْرُجُ فِي أصْلِ الجَحِيمِ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أذلكَ خَيْرٌ نُزُلاً أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ حتى بلغ فِي أصْلِ الجَحِيمِ قال : لما ذكر شجرة الزقوم افتتن الظَلَمة ، فقالوا : ينبئكم صاحبكم هذا أن في النار شجرة ، والنار تأكل الشجر ، فأنزل الله ما تسمعون : إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ، غُذِيت بالنار ومنها خُلقت .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : قال أبو جهل : لما نزلت إنّ شَجَرَةَ الزّقّومِ قال : تعرفونها في كلام العرب : أنا آتيكم بها ، فدعا جارية فقال : ائتيني بتمر وزُبْد ، فقال : دونكم تَزَقّموا ، فهذا الزّقوم الذي يخوّفكم به محمد ، فأنزل الله تفسيرها : أذلكَ خَيْرٌ نُزُلاً أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً للظّالِمِينَ قال : لأبي جهل وأصحابه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً للظّالِمينَ قال : قول أبي جهل : إنما الزّقوم التمر والزبد أتَزَفّمه .
وقوله : طَلْعُها كأنّهُ رُؤُوسُ الشّياطِين يقول تعالى ذكره : كأن طلع هذه الشجرة ، يعني شجرة الزقوم في قُبحه وسماجته رؤوس الشياطين في قُبحها .
وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله : «إنّها شَجَرَةٌ نابِتَةٌ فِي أصْلِ الجَحِيمِ » ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : طَلْعُها كأنّهُ رُءُوسُ الشّياطِينُ قال : شبهه بذلك .
فإن قال قائل : وما وجه تشبيهه طلع هذه الشجرة برؤوس الشياطين في القبح ، ولا علم عندنا بمبلغ قبح رؤوس الشياطين ، وإنما يمثّل الشيء بالشيء تعريفا من المُمّثل المُمّثل له قربُ اشتباه الممثّل أحدهما بصاحبه مع معرفة المُمَثّل له الشيئين كليهما ، أو أحدَهما ، ومعلوم أن الذين خوطبوا بهذه الاَية من المشركين ، لم يكونوا عارفين شَجَرة الزقوم ، ولا برؤوس الشياطين ، ولا كانوا رأوهما ، ولا واحدا منهما ؟ .
قيل له : أما شجرة الزقوم فقد وصفها الله تعالى ذكره لهم وبينها حتى عرفوها ما هي وما صفتها ، فقال لهم : شَجَرَةُ تَخْرُجُ فِي أصْلِ الجَحِيمِ طَلْعُها كأنّهُ رُؤُوسُ الشّياطِينِ فلم يتركهم في عَماء منها . وأما في تمثيله طلعها برؤوس الشياطين ، فأقول لكلّ منها وجه مفهوم : أحدها أن يكون مثل ذلك برؤوس الشياطين على نحو ما قد جرى به استعمال المخاطبين بالاَية بينهم وذلك أن استعمال الناس قد جرى بينهم في مبالغتهم إذا أراد أحدهم المبالغة في تقبيح الشيء ، قال : كأنه شيطان ، فذلك أحد الأقوال . والثاني أن يكون مُثّل برأس حية معروفة عند العرب تسمى شيطانا ، وهي حية لها عُرْف فيما ذُكر قبيح الوجه والمنظر ، وإياه عنى الراجز بقوله :
عَنْجَرِدٌ تَحْلِفُ حِينَ أحْلِفُكمِثْلِ شَيْطانِ الحَماطِ أعْرَفُ
ويروى عُجَيّزٌ . والثالث : أن يكون مثل نبت معروف برؤوس الشياطين ذُكِر أنه قبيح الرأس فإنّهُمْ لاََكِلُونَ مِنْها فَمالِئُونَ منها البُطُونَ يقول تعالى ذكره : فإن هؤلاء المشركين الذين جعل الله هذه الشجرة لهم فتنة ، لاَكلون من هذه الشجرة التي هي شجرة الزّقوم ، فمالئون من زَقّومها بطونهم .
ووقد أنذروا بأنهم آكلون منها إنذاراً مؤكداً ، أي آكلون من ثمرها وهو ذلك الطلع . وضمير { منها } للشجرة جرى على الشائع من قول الناس أكلت من النخلة ، أي من ثمرها . والمعنى : أنهم آكلون منها كرهاً وذلك من العذاب ، وإذا كان المأكول كريهاً يزيده كراهة سوءُ منظره ، كما أن المشتهَى إذا كان حسن المنظر كان الإِقبال عليه بِشَرَه لظهور الفرق بين تناول تفاحة صفراء وتناول تفاحةَ مورّدة اللون ، وكذلك محسنات الشراب ، ألاَ ترَى إلى كعب بن زهير كيف أطال في محسنات الماء الذي مزجت به الخمر في قوله :
شُجَّت بذي شَبَم من ماء مَجْنيَة *** صافٍ بأبطحَ أضحَى وهو مشمول
تنفي الرياح القذَى عنه وأفرطه *** من صوب سارية بيضٌ يعاليـل
ومَلْءُ البطون كناية عن كثرة ما يأكلون منها على كراهتها . وإسناد الأكل ومَلْءِ البطون إليهم إسناد حقيقي وإن كانوا مكرهين على ذلك الأكل والملْءِ . والفاء في قوله : { فَمَالِئُونَ } فاء التفريع ، وفيها معنى التعقيب ، أي لا يلبثون أن تمتلىء بطونهم من سرعة الالتقام ، وذلك تصوير لكراهتها فإن الطعام الكريه كالدواء إذا تناوله آكله أسرع ببلعه وأعظم لقمه لئلا يستقر طعمه على آلة الذوق .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فإنهم لآكلون منها} من ثمرتها.
{فمالئون منها} من ثمرها {البطون}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 62]
وقوله:"أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ"، ذكر أن الله تعالى لما أنزل هذه الآية قال المشركون: كيف ينبتُ الشجر في النار، والنار تُحْرق الشجر؟ فقال الله: "إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً للظّالِمِينَ "يعني لهؤلاء المشركين الذين قالوا في ذلك ما قالوا، ثم أخبرهم بصفة هذه الشجرة فَقالَ: "إنّها شَجَرَةُ تَخْرُجُ فِي أصْلِ الجَحِيمِ". وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل... عن قتادة "أذلكَ خَيْرٌ نُزُلاً أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ "حتى بلغ "فِي أصْلِ الجَحِيمِ" قال: لما ذكر شجرة الزقوم افتتن الظَلَمة، فقالوا: ينبئكم صاحبكم هذا أن في النار شجرة، والنار تأكل الشجر، فأنزل الله ما تسمعون: إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم، غُذِيت بالنار ومنها خُلقت...
عن السديّ، قال: قال أبو جهل: لما نزلت "إنّ شَجَرَةَ الزّقّومِ" قال: تعرفونها في كلام العرب: أنا آتيكم بها، فدعا جارية فقال: ائتيني بتمر وزُبْد، فقال: دونكم تَزَقّموا، فهذا الزّقوم الذي يخوّفكم به محمد، فأنزل الله تفسيرها: "أذلكَ خَيْرٌ نُزُلاً أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً للظّالِمِينَ" قال: لأبي جهل وأصحابه...
وقوله: "طَلْعُها كأنّهُ رُؤُوسُ الشّياطِين" يقول تعالى ذكره: كأن طلع هذه الشجرة، يعني شجرة الزقوم في قُبحه وسماجته رؤوس الشياطين في قُبحها...
فإن قال قائل: وما وجه تشبيهه طلع هذه الشجرة برؤوس الشياطين في القبح، ولا علم عندنا بمبلغ قبح رؤوس الشياطين، وإنما يمثّل الشيء بالشيء تعريفا من المُمّثل المُمّثل له قربُ اشتباه الممثّل أحدهما بصاحبه مع معرفة المُمَثّل له الشيئين كليهما، أو أحدَهما، ومعلوم أن الذين خوطبوا بهذه الآية من المشركين، لم يكونوا عارفين شَجَرة الزقوم، ولا برؤوس الشياطين، ولا كانوا رأوهما، ولا واحدا منهما؟.
قيل له: أما شجرة الزقوم فقد وصفها الله تعالى ذكره لهم وبينها حتى عرفوها ما هي وما صفتها، فقال لهم: "شَجَرَةُ تَخْرُجُ فِي أصْلِ الجَحِيمِ طَلْعُها كأنّهُ رُؤُوسُ الشّياطِينِ" فلم يتركهم في عَماء منها. وأما في تمثيله طلعها برؤوس الشياطين، فأقول لكلّ منها وجه مفهوم: أحدها أن يكون مثل ذلك برؤوس الشياطين على نحو ما قد جرى به استعمال المخاطبين بالآية بينهم وذلك أن استعمال الناس قد جرى بينهم في مبالغتهم إذا أراد أحدهم المبالغة في تقبيح الشيء، قال: كأنه شيطان، فذلك أحد الأقوال. والثاني أن يكون مُثّل برأس حية معروفة عند العرب تسمى شيطانا، وهي حية لها عُرْف فيما ذُكر قبيح الوجه والمنظر... والثالث: أن يكون مثل نبت معروف برؤوس الشياطين ذُكِر أنه قبيح الرأس.
"فإنّهُمْ لآكِلُونَ مِنْها فَمالِئُونَ منها البُطُونَ" يقول تعالى ذكره: فإن هؤلاء المشركين الذين جعل الله هذه الشجرة لهم فتنة، لآكلون من هذه الشجرة التي هي شجرة الزّقوم، فمالئون من زَقّومها بطونهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
جائز أن يشدّد الله عليهم الجوع حتى يأكلوا منها، فيملؤوا بطونهم منها كقوله:
{فشاربون شرب الهيم} [الواقعة: 55] وإن ملأوا بطونهم فإن ذلك لا يدفع عنهم الجوع كقوله: {لا يسمن ولا يغني من جوع} [الغاشية: 7]
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
الملء: حشو الوعاء بما لا يحتمل زيادة عليه.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{مِنْهَا} من الشجرة، أي من طلعها.
{فَمَالِئُونَ}... يقسرون على أكلها وإن كرهوها، ليكون باباً من العذاب.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية، وقال: «اتقوا الله حق تقاته، فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا، لأفسدت على أهل الأرض معايشهم فكيف بمن يكون طعامه؟». ورواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، من حديث شعبة، وقال الترمذي: حسن صحيح.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
إذا شاكت حلوقهم وهي كرؤوس الشياطين -وحرقت بطونهم- وهي تنبت في أصل الجحيم ولا تحترق لأنها من نوع الجحيم!
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
قد أنذروا بأنهم آكلون منها إنذاراً مؤكداً، أي آكلون من ثمرها وهو ذلك الطلع. ضمير {منها} للشجرة، جرى على الشائع من قول الناس أكلت من النخلة، أي من ثمرها.
إسناد الأكل ومَلْءِ البطون إليهم إسناد حقيقي، وإن كانوا مكرهين على ذلك الأكل والملْءِ.
الفاء في قوله: {فَمَالِئُونَ} فاء التفريع، وفيها معنى التعقيب، أي لا يلبثون أن تمتلئ بطونهم من سرعة الالتقام، وذلك تصوير لكراهتها فإن الطعام الكريه كالدواء إذا تناوله آكله أسرع ببلعه وأعظم لقمه لئلا يستقر طعمه على آلة الذوق.
{فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} * {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ} * {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ}
معنى: ستضطرهم الضرورة وتُلْجئهم لهذا المثل المكدِّر المنكِّد لهم، حيث لا طعامَ لهم غيرها {فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا} ولن يأكلوا على قَدْر الضرورة، بل {فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} وعندما يملأون منها بطونهم تَزْداد النارُ فيها، فيريدون شراباً يُطفىء هذه النار، فيكون شرابهم الحميم، والعياذ بالله.