تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ذَوَاتَآ أَفۡنَانٖ} (48)

ومن أوصاف تلك الجنتين أنهما { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } [ أي : فيهما من ألوان النعيم المتنوعة نعيم الظاهر والباطن ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ]{[956]}  أن{[957]}  فيهما الأشجار الكثيرة الزاهرة ذوات الغصون الناعمة ، التي فيها الثمار اليانعة الكثيرة اللذيذة ، أو ذواتا أنواع وأصناف من جميع أصناف النعيم وأنواعه جمع فن ، أي : صنف .


[956]:- زيادة من هامش: ب.
[957]:- كذا في ب، وفي أ: أي.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ذَوَاتَآ أَفۡنَانٖ} (48)

ثم نعت هاتين الجنتين فقال : { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } أي : أغصان نَضِرَة حسنة ، تحمل من كل ثمرة نضيجة فائقة ، { فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } . هكذا {[27915]} قال عطاء الخراساني وجماعة : إن الأفنان أغصان الشجَر يمس بعضُها بعضا .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا مسلم بن قتيبة ، حدثنا عبد الله بن النعمان ، سمعت عكرمة يقول : { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } ، يقول : ظِل الأغصان على الحيطان ، ألم تسمع قول الشاعر حيث يقول :

ما هاجَ شَوقَكَ من هَديل حَمَامَةٍ*** تَدْعُو على فَنَن الغُصُون حَمَاما

تَدْعُو أبا فَرْخَين صادف طاويا*** ذا مخلبين من الصقور قَطاما{[27916]}

وحكى البغوي ، عن مجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، والكلبي : أنه الغصن المستقيم {[27917]} [ طوالا ] {[27918]} .

قال : وحدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا عبد السلام بن حرب ، حدثنا عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } : ذواتا ألوان .

قال : و [ قد ] {[27919]} روي عن سعيد بن جبير ، والحسن ، والسدي ، وخُصَيف ، والنضر بن عربي {[27920]} ، وأبي سِنَان مثل ذلك . ومعنى هذا القول أن فيهما فنونا من الملاذ ، واختاره ابن جرير .

وقال عطاء : كل غصن يجمع فنونا من الفاكهة ، وقال الربيع بن أنس : { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } : واسعتا الفناء .

وكل هذه الأقوال صحيحة ، ولا منافاة بينها ، والله أعلم . وقال قتادة : { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } ينبئ بسعتها وفضلها {[27921]} ومزيتها على ما سواها .

وقال محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن أسماء{[27922]} قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - وذكر سدرة المنتهى - فقال : " يسير في ظل الفَنَن منها الراكب مائة سنة - أو قال : يستظل في ظل الفَنَن منها مائة راكب - فيها فراش الذهب ، كأن ثمرها القِلال " .

رواه الترمذي من حديث يونس بن{[27923]} بكير ، به {[27924]} .


[27915]:- (1) في أ: "وكذا".
[27916]:- (2) رواه عبد بن حميد وابن المنذر وأبو بكر بن حيان في الفنون وابن الأنباري في الوقف والابتداء كما في الدر المنثور (7/709).
[27917]:- (3) في م: "الغصن المنيف طولا".
[27918]:- (4) زيادة من أ.
[27919]:- (5) زيادة من م.
[27920]:- (6) في أ: "عدي".
[27921]:- (7) في م: "بفضلها وسعتها".
[27922]:- (8) في م: "أسماء بنت يزيد"، وفي ا: "أسماء بنت أبي بكر".
[27923]:- (1) في م، أ: "عن".
[27924]:- (2) سنن الترمذي برقم (2541) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب".
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ذَوَاتَآ أَفۡنَانٖ} (48)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم نعت الجنتين، فقال: {ذواتا أفنان} يعني ذواتا أغصان يتماس أطراف شجرها بعضه بعضا كالمعروشات...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"ذَوَاتا أفْنانٍ" يقول: ذواتا ألوان، واحدها فن، وهو من قولهم: افتنّ فلان في حديثه: إذا أخذ في فنون منه وضروب...

وقال آخرون: ذواتا أغصان...

وقال آخرون: معنى ذلك: ذواتا أطراف أغصان الشجر...

وقال آخرون: بل عنى بذلك فضلهما وسعتهما على ما سواهما.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{ذواتا أفنان}، قال عامة أهل التأويل: {ذواتا أفنان} ذواتا أغصان. ولكن ليس في هذا كثير حكمة. لكن يحتمل قوله: {ذواتا أفنان} من الفنون، أي فيهما من كل فن وكل نوع شيء.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{ذواتا أفنان، فبأي آلاء ربكما تكذبان} هي جمع فنن أي ذواتا أغصان أو جمع فن أي فيهما فنون من الأشجار وأنواع من الثمار. فإن قيل: أي الوجهين أقوى؟ نقول: الأول لوجهين؛

(أحدهما) أن الأفنان في جمع فنن هو المشهور والفنون في جمع الفن كذلك، ولا يظن أن الأفنان والفنون جمع فن بل كل واحد منهما جمع معرف بحرف التعريف والأفعال في فعل كثير والفعول في فعل أكثر.

(ثانيهما) قوله تعالى: {فيهما من كل فاكهة زوجان} مستقل بما ذكر من الفائدة، ولأن ذلك فيما يكون ثابتا لا تفاوت فيه ذهنا ووجودا أكثر، فإن قيل: كيف تمدح بالأفنان والجنات في الدنيا ذوات أفنان كذلك؟

نقول: فيه وجهان؛

(أحدهما) أن الجنات في الأصل ذوات أشجار، والأشجار ذوات أغصان، والأغصان ذوات أزهار وأثمار، وهي لتنزه الناظر إلا أن جنة الدنيا لضرورة الحاجة وجنة الآخرة ليست كالدنيا فلا يكون فيها إلا ما فيه اللذة وأما الحاجة فلا، وأصول الأشجار وسوقها أمور محتاج إليها مانعة للإنسان عن التردد في البستان كيفما شاء، فالجنة فيها أفنان عليها أوراق عجيبة، وثمار طيبة من غير سوق غلاظ، ويدل عليه أنه تعالى لم يصف الجنة إلا بما فيه اللذة بقوله: {ذواتا أفنان} أي الجنة هي ذات فنن غير كائن على أصل وعرق بل هي واقفة في الجو وأهلها من تحتها.

(والثاني) من الوجهين هو أن التنكير للأفنان للتكثير أو للتعجب.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والمقصود هنا: أفنان عظيمة كثيرة الإِيراق والإِثمار بقرينة أنّ الأفنان لا تخلو عنها الجنات فلا يحتاج إلى ذكر الأفنان لولا قصد ما في التنكير من التعظيم...