اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ذَوَاتَآ أَفۡنَانٖ} (48)

وأيضاً قال : { ذَوَاتَا أَفْنَانٍ } .

وقال عطاء وابن شوذب : نزلت هذه الآية في أبي بكر - رضي الله عنه - حين ذكر ذات يوم الجنّة حين أزلفت ، والنَّار حين برزت{[54531]} .

وقال الضحاك : بل شرب ذات يوم لبناً على ظمأ ، فأعجبه فسأل عنه ، فأخبر أنه من غير حلٍّ فاستقاءه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ، فقال : «رحمكَ اللَّهُ لقَدْ أنْزِلَتْ فِيْكَ آيَةٌ » ، وتلا عليه هذه الآية{[54532]} .

قوله تعالى : «ذَوَاتَا » . صفة ل «جَنَّتان » ، أو خبر مبتدأ محذوف ، أي : «هما ذواتا » .

وفي تثنية «ذات » لغتان :

الرد إلى الأصل ، فإن أصلها «ذوية » ، فالعين واو ، واللام ياء ؛ لأنها مؤنثة «ذو » .

الثانية : التثنية على اللفظ . فيقال : «ذواتا » .

و«الأفنان » : فيه وجهان .

أحدهما : أنه جمع «فَنَن » ك «طلل » ، وهو الغصن .

قال النابغة الذبياني : [ الوافر ]

بُكَاءُ حَمَامَةٍ تَدْعُو هَدِيلاً *** مُفَجَّعَةٍ على فَنَنٍ تُغَني{[54533]}

وقال آخر : [ الرمل ]

رُبَّ وَرْقَاءَ هَتُوفٍ بالضُّحَى *** ذَاتِ شَجْوٍ صَدَحَتْ في فَنَنِ{[54534]}

وقال آخر : [ الطويل ]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** عَلَى كُلِّ أفْنَانِ العِضَاهِ تَرُوقُ{[54535]}

و«الفَنَن » : جمعه أفنان ثم الأفانين .

قال الشاعر يصف رحى : [ الرجز ]

لَهَا زِمَامٌ مِنْ أفَانِينِ الشَّجَرْ{[54536]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وشجرة فناء : أي ذات أفنان ، وفنواء أيضاً على غير قياس .

وفي الحديث : «أنَّ أهْلَ الجنَّةِ مُردٌ مُكَحَّلُون أولُو أفَانِيْن »{[54537]} .

وهو جمع أفنان ، وأفنان : جمع «فَنَن » من الشعر ، شبه بالغصن . ذكره الهروي .

وقيل : «ذواتا أفنان » أي : ذواتا سعة وفضل على ما سواهما . قاله قتادة{[54538]} .

وعن مجاهد أيضاً وعكرمة : أن الأفنان ظل الأغصان على الحِيْطان{[54539]} .

وقال مجاهد : الفنن : هو الغصن المستقيم طولاً .

الوجه الثاني : أنه جمع «فنّ » ك «دنّ » ، وإليه أشار ابن عبَّاس .

والمعنى : ذواتا أنواع وأشكال ؛ وأنشدوا : [ الطويل ]

ومِنْ كُلِّ أفْنَانِ اللذَاذَةِ والصِّبَا *** لَهَوْتُ بِهِ والعَيْشُ أخضرُ نَاضِرُ{[54540]}

قال سعيد بن جبير والضحاك : ألوان من الفاكهة{[54541]} ، واحدها : «فنّ » ، من قولهم : «افتنّ فلان في حديثه » إذا أخذ في فنون منه وضروب ، إلا أن الكثير في «فنّ » أن يجمع على «فنون » ، وجمع عطاء بين القولين فقال : في كل غصن فنون من الفاكهة .


[54531]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/201) عزاه إلى ابن أبي حاتم عن ابن شوذب.
[54532]:ذكره الماوردي في "تفسيره" في (5/437) عن الضحاك.
[54533]:ينظر ديوانه (136)، والقرطبي 17/116، والبحر 8/185، والدر المصون 6/246.
[54534]:ينظر الدر المصون 6/246.
[54535]:تقدم.
[54536]:ينظر: اللسان (فتن)، والتاج (فتن)، والقرطبي 17/116.
[54537]:يشهد له حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا مكحلين بني ثلاث وثلاثين". أخرجه الترمذي رقم (2545) وفي مسنده شهر بن حوشب وفيه ضعف. وله شاهد أيضا من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا بيضا جعادا مكحلين". أخرجه الترمذي (2540). وذكره البغوي في "تفسيره" 4/274.
[54538]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/604) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/204) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد.
[54539]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/204) عن عكرمة وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر وأبي بكر بن حبان في "الفنون" وابن الأنباري في "الوقف والابتداء".
[54540]:ينظر: الكشاف 4/49، وشرح شواهده ص 423، والبحر 8/185.
[54541]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/604) عن الضحاك وذكره السيوطي في "الدر المنثور"(4/203).