{ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ } الدالة على وحدانيته ، وأسمائه ، وصفاته ، وهذا من أكبر نعمه ، حيث أشهد عباده ، آياته النفسية ، وآياته الأفقية ، ونعمه الباهرة ، وعدَّدَها عليهم ، ليعرفوه ، ويشكروه ، ويذكروه .
{ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ } أي : أي آية من آياته لا تعترفون بها ؟ فإنكم ، قد تقرر عندكم ، أن جميع الآيات والنعم ، منه تعالى ، فلم يبق للإنكار محل ، ولا للإعراض عنها موضع ، بل أوجبت لذوي الألباب ، بذل الجهد ، واستفراغ الوسع ، للاجتهاد في طاعته ، والتبتل في خدمته ، والانقطاع إليه .
وكم هنالك من آيات من هذا النوع الحاضر المتناثر في الكون ، لا يملك إنسان أن ينكره وهو جاد :
( ويريكم آياته . فأي آيات الله تنكرون ? )
نعم إن هنالك من ينكر . وهنالك من يجادل في آيات الله . وهنالك من يجادل بالباطل ليدحض به الحق . ولكن أحداً من هؤلاء لا يجادل إلا عن التواء ، أو غرض ، أو كبر ، أو مغالطة ، لغاية أخرى غير الحقيقة .
هنالك من يجادل لأنه طاغية كفرعون وأمثاله ، يخشى على ملكه ، ويخشى على عرشه ، لأن هذا العرش يقوم على أساطير يذهب بها الحق ، الذي يثبت بثبوت حقيقة الألوهية الواحدة !
وهنالك من يجادل لأنه صاحب مذهب في الحكم كالشيوعية يتحطم إذا ثبتت حقيقة العقيدة السماوية في نفوس البشر . لأنه يريد أن يلصق الناس بالأرض ؛ وأن يعلق قلوبهم بمعداتهم وشهوات أجسادهم ؛ وأن يفرغها من عبادة الله لتعبد المذهب أو تعبد الزعيم !
وهنالك من يجادل لأنه ابتلي بسيطرة رجال الدين - كما وقع في تاريخ الكنيسة في العصور الوسطى - ومن ثم فهو يريد الخلاص من هذه السيطرة . فيشتط فيرد على الكنيسة إلهها ، الذي تستعبد باسمه الناس !
وهنالك أسباب وأسباب . . غير أن منطق الفطرة ينفر من هذا الجدال ، ويقر بالحقيقة الثابتة في ضمير الوجود ؛ والتي تنطق بها آيات الله بعد كل جدال !
عطف على جملة { لَكُمُ الأنعام } [ غافر : 79 ] أي الله الذي يريكم آياته . وهذا انتقال من متعدد الامتنان بما تقدم من قوله : { الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الليْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ } [ غافر : 61 ] ، { الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَاراً } [ غافر : 64 ] ، { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِن تُرَابٍ } [ غافر : 67 ] ، { الله الَّذِي جَعَلَ لَكمُ الأنعام } [ غافر : 79 ] ، فإن تلك ذكرت في معرض الامتنان تذكيراً بالشكر ، فنبّه هنا على أن في تلك المنن آيات دالة على ما يجب للَّه من الوحدانية والقدرة والحكمة .
ولذلك كان قوله : { وَيُرِيكُمْ ءاياته } مفيداً مُفاد التذييللِ لما في قوله : { آياته } من العموم لأن الجمع المعرف بالإِضافة من صيغ العموم ، أي يريكم آياته في النعم المذكورات وغيرها من كل ما يدلّ على وجوب توحيده وتصديق رسله ونبذِ المكابرة فيما يأتونهم به من آيات صدقهم .
وقد جيء في جانب إراءة الآيات بالفعل المضارع لدلالته على التجدد لأن الإِنسان كلما انتفع بشيء من النعم علم ما في ذلك من دلالة على وحدانية خالقها وقدرته وحكمته . والإِراءة هنا بَصرية ، عُبر بها عن العلم بصفات الله إذ كان طريق ذلك العلم هو مشاهدة تلك الأحوال المختلفة فمن تلك المشاهدة ينتقل العقل إلى الاستدلال ، وفيه إشارة إلى أن دلالة وجود الخالق ووحدانيته وقدرته برهانية تنتهي إلى اليقين والضرورة .
وإضافة الآيات إلى ضمير الجلالة لزيادة التنويه بها ، والإرشاد إلى إجادة النظر العقلي في دلائلها ، وأما كونُها جائية من لدن الله وكونُ إضافتها من الإِضافة إلى ما هو في معنى الفاعل ، فذلك أمر مستفاد من إسناد فعل { يريكم } إلى ضميره تعالى . وفرع على إراءة الآيات استفهام إنكاري عليهم من أجل إنكارهم ما دلت عليه تلك الآيات .
و ( أيّ ) اسم استفهام يطلب به تمييز شيء عن مشاركه فيما يضاف إليه ( أيُّ ) ، وهو هنا مستعمل في إنكار أن يكون شيء من آيات الله يمكن أن ينكر دون غيره من الآيات فيفيد أن جميع الآيات صالح للدلالة على وحدانية الله وقدرته لا مساغ لادّعاء خفائه وأنهم لا عذر لهم في عدم الاستفادة من إحدى الآيات . والأكثر في استعمال ( أي ) إذا أضيفت إلى اسم مؤنثِ اللفظ أن لا تلحقها هاء التأنيث اكتفاء بتأنيث ما تضاف إليه لأن الغالب في الأسماء التي ليست بصفات أن لا يُفْرَق بين مذكرها ومؤنثها بالهاء نحو حمار فلا يقال للمؤنث حمارة . و ( أيّ ) اسم ويزيد بما فيه من الإِبهام فلا يفسره إلا المضاف إليه فلذلك قال هنا { فَأَيَّ ءاياتت الله } دون : فأيَّة آيات الله ، لأن إلحاق علامة التأنيث ب ( أي ) في مثل هذا قليل ، ومن غير الغالب تأنيث ( أي ) في قول الكميت :
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ويريكم آياته} لهذا الذي ذكر من الفلك والأنعام من آياته، فاعرفوا توحيده بصنعه وإن لم تروه.
{فأي آيات الله تنكرون} أنه ليس من الله عز وجل.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةَ في صُدُورِكُمْ" يقول: ولتبلغوا بالحمولة على بعضها، وذلك الإبل حاجة في صدروكم لم تكونوا بالغيها لولا هي، إلا بشقّ أنفسكم، كما قال جلّ ثناؤه: "وَتحْمِلُ أثْقالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إلاّ بِشِقّ الأنْفُسِ"...
وقوله: "وَعَلَيْها "يعني: وعلى هذه الإبل، وما جانسها من الأنعام المركوبة "وَعَلى الفُلْكِ" يعني: وعلى السفن "تُحْمَلُونَ" يقول: نحملكم على هذه في البرّ، وعلى هذه في البحر. "ويُرِيكُمْ آياتِهِ" يقول: ويريكم حججه، "فأيّ آياتِ اللّهِ تُنْكَرونَ" يقول: فأي حجج الله التي يريكم أيها الناس. في السماء والأرض تنكرون صحتها، فتكذّبون من أجل فسادها بتوحيد الله، وتدعون من دونه إلها.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم ذكر تعالى آياته عامة جامعة لكل عبرة وموضع نظر، وهذا غير منحصر لاتساعه؛ ولأن في كل شيء له آية تدل على وحدانيته، ثم قررهم على جهة التوبيخ بقوله: {فأي آيات الله تنكرون}...
فقوله {فأي ءايات الله تنكرون} تنبيه على أنه ليس في شيء من الدلائل التي تقدم ذكرها ما يمكن إنكاره.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كانت هذه آية عظيمة جعلها سبحانه مشتملة على آيات كثيرة، عبر فيها بالماضي وعطف بالمضارع تنبيهاً على التجدد على ما تقديره: فأراكم هذه الآيات البينات منها، قوله: {ويريكم} أي في لحظة.
{آياته} أي الكثيرة الكبيرة فيها وفي غيرها من أنفسكم ومن الآفاق، ودل على كثرة الآيات وعظمتها بإسقاط تاء التأنيث كما هو المستفيض في غير النداء بإظهار الاسم الأعظم في قوله:
{فأيّ آيات الله} أي المحيط بصفات الكمال.
{تنكرون} حتى تتوجه لكم المجادلة في آياته التي من أوضحها البعث.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
كم هنالك من آيات من هذا النوع الحاضر المتناثر في الكون، لا يملك إنسان أن ينكره وهو جاد: (ويريكم آياته. فأي آيات الله تنكرون؟) نعم إن هنالك من ينكر. وهنالك من يجادل في آيات الله. وهنالك من يجادل بالباطل ليدحض به الحق. ولكن أحداً من هؤلاء لا يجادل إلا عن التواء أو غرض أو كبر أو مغالطة لغاية أخرى غير الحقيقة...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
عطف على جملة {لَكُمُ الأنعام} [غافر: 79] أي الله الذي يريكم آياته. وهذا انتقال من متعدد الامتنان بما تقدم من قوله: {الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الليْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} [غافر: 61]، {الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَاراً} [غافر: 64]، {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِن تُرَابٍ} [غافر: 67]، {الله الَّذِي جَعَلَ لَكمُ الأنعام} [غافر: 79]، فإن تلك ذكرت في معرض الامتنان تذكيراً بالشكر، فنبّه هنا على أن في تلك المنن آيات دالة على ما يجب للَّه من الوحدانية والقدرة والحكمة. ولذلك كان قوله: {وَيُرِيكُمْ ءاياته} مفيداً مُفاد التذييلِ لما في قوله: {آياته} من العموم؛ لأن الجمع المعرف بالإِضافة من صيغ العموم، أي يريكم آياته في النعم المذكورات وغيرها من كل ما يدلّ على وجوب توحيده وتصديق رسله ونبذِ المكابرة فيما يأتونهم به من آيات صدقهم.
وقد جيء في جانب إراءة الآيات بالفعل المضارع لدلالته على التجدد؛ لأن الإِنسان كلما انتفع بشيء من النعم علم ما في ذلك من دلالة على وحدانية خالقها وقدرته وحكمته. والإِراءة هنا بَصرية، عُبر بها عن العلم بصفات الله إذ كان طريق ذلك العلم، هو مشاهدة تلك الأحوال المختلفة، فمن تلك المشاهدة ينتقل العقل إلى الاستدلال، وفيه إشارة إلى أن دلالة وجود الخالق ووحدانيته وقدرته برهانية، تنتهي إلى اليقين والضرورة. وإضافة الآيات إلى ضمير الجلالة لزيادة التنويه بها، والإرشاد إلى إجادة النظر العقلي في دلائلها، وأما كونُها جائية من لدن الله وكونُ إضافتها من الإِضافة إلى ما هو في معنى الفاعل، فذلك أمر مستفاد من إسناد فعل {يريكم} إلى ضميره تعالى.
وفرع على إراءة الآيات استفهام إنكاري عليهم من أجل إنكارهم ما دلت عليه تلك الآيات.
و (أيّ) اسم استفهام يطلب به تمييز شيء عن مشاركه فيما يضاف إليه (أيُّ)، وهو هنا مستعمل في إنكار أن يكون شيء من آيات الله يمكن أن ينكر دون غيره من الآيات، فيفيد أن جميع الآيات صالح للدلالة على وحدانية الله وقدرته لا مساغ لادّعاء خفائه، وأنهم لا عذر لهم في عدم الاستفادة من إحدى الآيات.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
هل تستطيعون إنكار آياته في الآفاق وفي أنفسكم؟ أم هل تنكرون آياته في خلقكم من تراب وتحويلكم عبر مراحل الخلق إلى ما أنتم عليه، أم أنّكم تنكرون آياته في الحياة والموت والمبدأ والمعاد؟ وهل يمكنكم إنكار آياته في خلق السماء والأرض أو الليل والنهار، أو خلقه لأُمور تساعد في استمرار حياتكم كالأنعام وغيرها؟
أينما تنظر وتمد البصر فثمة آيات الله وآثار العظمة في خلقه سبحانه وتعالى.