اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ فَأَيَّ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ} (81)

قوله : { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ } دلائل قدرته ، وقوله : { فَأَيَّ آيَاتِ الله } منصوب ب » تُنْكِرُونَ «وقدم وجوباً لأن له صدر الكلام . قال مكيّ : ولو كان مع الفعل هاءٌ لكان الاختيار الرفع في أي بخلافِ ألف الاستفهام تدخل على الاسم ، وبعدها فعلٌ واقعٌ على ضمير الاسم فالاختيار{[48464]} النصب نحو قولك : أَزَيْداً ضَرَبْتَهُ ، هذا مذهب سيبويه فرق بين الألف وبين{[48465]} «أي » يعني أنك إذا قُلْت : أَيّهُمْ ضَرَبْتَ ؟ كان الاختيار الرفع ؛ لأنه لا يُحْوجُ إلى إضمار مع أن الاستفهام موجود وفي : «أَزَيْداً ضَرَبْتَهُ » يختار النصب لأجل الاستفهام فكان مقتضاه اختيار النصب أيضاً فيما إذا كان الاستفهام بنفس الاسم ، والفرق عَسِرٌ{[48466]} .

وقال الزمخشري : «فأَيَّ آيَاتِ » جاءت على اللغة المستفيضة وقولك : فأية آياتِ الله قليلةٌ ؛ لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات ، نحو : حِمَار ، وحِمَارة غريب ، وهو في أي أغرب ( لإبهامه{[48467]} ) قال أبو حيانَ ( رَحْمَةُ{[48468]} اللهِ عَلَيْهِ ) : وِمن قلة تأنيث أيَّ قولُه :

4351 بأيِّ كتَابٍ أَمْ بِأَيَّةِ سُنَّةٍ *** تَرَى حُبَّهُمْ عَاراً عَلَيَّ وتَحْسِبُ{[48469]}

وقوله : وهو في «أي » أغرب إن عَنَى «أيًّا » على الإطلاق فليس بصحيح ؛ لأن المستفيضَ في النِّداء أن يؤنث في نداء المؤنث كقوله تعالى : { ياأيتها النفس المطمئنة } [ الفجر : 27 ] ولا نعلم أحداً ذكر تذكيرها فيه فيقول : يأَيُّها المرأَةُ ، إلا صاحب{[48470]} البَدِيع في النَّحْوِ . وإن عنَى غير المناداة فكلامه صحيح يقل تأنيثها في الاستفهام ، وموصولة شرطية .

قال شهاب الدين : أما إذا وقعت صفةً لنكرة أو حالاً لمعرفة فالذي ينبغي أن يجُوزَ الوجهان كالموصولة{[48471]} ويكون التأنيث أقلّ نحو : مررتُ بامرأةٍ أَيَّةِ امرأة ، وجَاءَتْ هِنْدٌ أَيَّةُ امْرَأَةٍ وكان ينبغي لأبي حَيَّانَ{[48472]} أن ينبه على هذين الفَرْعَيْنِ{[48473]} .

فصل

معنى قوله { فَأَيَّ آيَاتِ الله تُنكِرُونَ } أَيْ هذه الآيات التي عددناها كلها ظاهرة باهرة ليس في شيء منها ما يمكن إنكاره .


[48464]:في المشكل: "هذا يختار فيها".
[48465]:نقله في مشكل إعراب القرآن 2/268، وقد قال سيبويه في الكتاب: "وسألته (يقصد أبا الخطاب) عن أيهم، لم لم يقولوا: أيهم مررت به، فقال: لأن أيهم هو حرف استفهام لا تدخل عليه الألف، وإنما تركت الألف استغناء فصار بمنزلة الابتداء، ألا ترى أن حد الكلام أن تؤخر الفعل، فتقول: أيهم رأيت كما تفعل ذلك بالألف فهي نفسها بمنزلة الابتداء". الكتاب 1/126.
[48466]:هذا شرح وتعقيب السمين على كلام مكي في الدر 4/713.
[48467]:سقطت من أ وانظر الكشاف 3/439.
[48468]:زيادة من أ الأصل.
[48469]:من الطويل، للكميت بن زيد في مدح آل البيت. والشاهد: "أم بأية سنة" حيث أنث "أيا" في الاستفهام وهو قليل كما قال أبو حيان وهي مضافة أيضا، وقد ورد عن الأخفش جواز التأنيث لا على وجه القلة. وانظر البحر المحيط 7/478، وحاشية يس 1/261 وشرح الكافية للرضي 2/279، والخزانة 9/137، والهمع 1/152 وتمهيد القواعد 2/289، 298، وتوضيح المقاصد 1/388 والأشموني 2/35 وديوانه 16.
[48470]:هو محمد بن مسعود الغزني، ذكره ابن هشام في المغني وسماه ابن الزكي وقال: خالف النحاة وأكثر أبو حيان من النقل عنه، مات سنة 421 هـ وانظر كشف الظنون 1/224. وقال صاحب البديع: الاختيار إثبات ولا تثنى ولا تجمع. انظر شرح المرادي على الألفية 3/310 والبحر المحيط 7/487.
[48471]:في ب: الموصول.
[48472]:وفيها: على أبي حيان.
[48473]:وانظر الدر المصون 4/713.