90- هنا يئس القوم من مطاوعة شعيب ومن معه لهم ، وعلموا أنهم ثابتون على دينهم ، كذلك خافوا أن يكثر المهتدون مع شعيب بظهور قوته وثباته على دعوته ، فاتجه كبراؤهم الكافرون إلى متبوعيهم ، يهددونهم قائلين : والله إن طاوعتم شعيباً في قبول دعوته ، إنكم لخاسرون شرفكم وثروتكم في اتباعكم ديناً باطلاً لم يكن عليه سلفكم .
{ وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ْ } محذرين عن اتباع شعيب ، { لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ ْ } هذا ما سولت لهم أنفسهم أن الخسارة والشقاء في اتباع الرشد والهدى ، ولم يدروا أن الخسارة كل الخسارة في لزوم ما هم عليه من الضلال والإضلال ، وقد علموا ذلك حين وقع بهم النكال .
عندئذ يتوجه الملأ الكفار من قومه إلى المؤمنين به يخوفونهم ويهددونهم . ليفتنوهم عن دينهم : ( وقال الملأ الذين كفروا من قومه : لئن اتبعتم شعيباً إنكم إذاً لخاسرون )
إنها ملامح المعركة التي تتكرر ولا تتغير . . إن الطواغيت يتوجهون أولاً إلى الداعية ليكف عن الدعوة . فإذا استعصم بإيمانه وثقته بربه ، واستمسك بأمانة التبليغ وتبعته ، ولم يرهبه التخويف بالذي يملكه الطغاة من الوسائل . . تحولوا إلى الذين اتبعوه يفتنونهم عن دينهم بالوعيد والتهديد ، ثم بالبطش والعذاب . . إنهم لا يملكون حجة على باطلهم ، ولكن يملكون أدوات البطش والإرهاب ؛ ولا يستطيعون إقناع القلوب بجاهليتهم - وبخاصة تلك التي عرفت الحق فما عادت تستخف بالباطل - ولكنهم يستطيعون البطش بالمصرين على الإيمان ، الذي أخلصوا الدينونة للّه فأخلصوا له السلطان .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ الْمَلاُ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنّكُمْ إِذاً لّخَاسِرُونَ } . .
يقول تعالى ذكره : وقالت الجماعة من كَفَرَةِ رجال قوم شعيب ، وهم الملأ الذين جحدوا آيات الله وكذّبوا رسوله وتمادوا في غيهم ، لاَخرين منهم : لئن أنتم اتبعتم شعيبا على ما يقول وأجبتموه إلى ما يدعوكم إليه من توحيد الله والانتهاء إلى أمره ونهيه وأقررتم بنبوّته ، أنّكُمْ إذًا لخَاسِرُونَ يقول : لمغبونون في فعلكم ، وترككم ملتكم التي أنتم عليها مقيمون إلى دينه الذي يدعوكم إليه ، وهالكون بذلك من فعلكم .
عُطفت جملة : { وقال الملأ } ولم تفصل كما فصلت التي قبلها لانتهاء المحاورة المقتضية فصل الجمل في حكاية المحاورة ، وهذا قول أنف وجه فيه الملأ خطابهم إلى عامة قومهم الباقين على الكفر تحذيراً لهم من اتباع شعيب خشية عليهم من أن تحيك في نفوسهم دعوة شعيب وصدْق مجادلته ، فلما رأوا حجته ساطعة ولم يستطيعوا الفلج عليه في المجادلة ، وصمموا على كفرهم ، أقبلوا على خطاب الحاضرين من قومهم ليحذروهم من متابعة شعيب ويهددوهم بالخسارة .
وذِكْرُ { المَلأ } إظهار في مقام الإضمار لبعد المعاد . وإنّما وصف الملأ بالموصول وصلته دون أن يكتفي بحرف التعريف المقتضي أن الملأ الثاني هو الملأ المذكور قبله ، لقصد زيادة ذم الملأ بوصف الكفر ، كما ذم فيما سبق بوصف الاستكبار .
ووصف { الملأ } هنا بالكفر لمناسبة الكلام المحكي عنهم ، الدال على تصلبّهم في كفرهم ، كما وصفوا في الآية السابقة بالاستكبار لمناسبة حال مجادلتهم شعيباً ، كما تقدم ، فحصل من الآيتين أنّهم مُستكبرون كافرون .
والمخاطب في قوله : { لئن اتّبعتم شعيباً } هم الحاضرون حين الخطاب لدى الملإِ ، فحُكي كلام الملأ كما صدر منهم ، والسياق يفسر المعنيين بالخطاب ، أعني عامّة قوم شعيب الباقين على الكفر .
( واللام ) موطّئة للقسم . و { إنكم إذا لخاسرون } جواب القسم وهو دليل على جواب الشرط محذوف ، كما هو الشأن في مثل هذا التركيب .
والخُسران تقدم عند قوله تعالى : { قد خسر الذين قتلوا أولادهم } في سورة الأنعام ( 140 ) . وهو مستعار لحصول الضر من حيث أريد النفع ، والمراد به هنا التحذير من أضرار تحصل لهم في الدنيا من جراء غضب آلهتهم عليهم ، لأن الظاهر أنّهم لا يعتقدون البعث ، فإن كانوا يعتقدونه ، فالمراد الخسران الأعم ، ولكن الأهم عندهم هو الدنيوي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.