الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ لَئِنِ ٱتَّبَعۡتُمۡ شُعَيۡبًا إِنَّكُمۡ إِذٗا لَّخَٰسِرُونَ} (90)

قوله تعالى : { إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } : إذن حرفُ جوابٍ وجزاء ، وقد تقدَّم الكلامُ عليها مُشْبعاً وخلافُ الناس فيها . وهي هنا معترضةٌ بين الاسم والخبر . وقد توهَّم بعضُهم فجعل " إذاً " هذه " إذا " الظرفية في الاستقبال نحو قولك : " أُلْزِمُك إذا جئتني " أي وقتَ مجيئك . قال : " ثم حُذِفَتِ الجملةُ المضافةُ هي إليها ، والأصل : إنكم إذا اتبعتموه لخاسرون ، فإذا ظرفٌ والعاملُ فيه " لخاسرون " ، ثم حُذِفَتِ الجملةُ المضافُ إليها وهي اتبعتموه ، وعُوِّضَ منها التنوين ، فلما جيء بالتنوين وهو ساكنٌ التقى بمجيئه ساكنان هو والألفُ قبلَه ، فحُذِفَت الألفُ لالتقاءِ الساكنين فبقي اللفظ " إذاً " كما ترى . وزم هذا القائل أن ذلك جائزٌ بالحَمْل على " إذا " التي للمضيّ في قولهم : " حينئذ " و " يومئذ " فكما أن التنوينَ هناك عوضٌ عن جملة عند الجمهور كذلك هنا . ورَدَّ الشيخ هذا بأنه لم يَثْبُتْ هذا الحكمُ ل " إذا " الاستقبالية في غير هذا الموضع فيحمل هذا عليه " . قلت : وهذا ليس بلازمٍ إذ لذلك القائلِ أنْ يقولَ : قَد وَجَدْتُ موضعاً غير هذا وهو قولُه تعالى : { إِنَّآ إِذاً لَّظَالِمُونَ } [ يوسف : 79 ] .

وقد رأيت كلام الشيخ شهاب الدين القرافي في قوله صلى الله عليه وسلم لَمَّا سألوه عن بيع الرُّطَب بالتمر فقال : أينقص الرُّطَبُ إذا جَفَّ ؟ فقالوا : نعم . فقال : فلا إذن : أن " إذن " هذه هي " إذا " الظرفية ، قال : كالتي في قوله تعالى : { إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ } [ الزلزلة : 1 ] فحُذِفَتِ الجملةُ ، وذكره إلى آخره . وكنت لمَّا رأيته تعجَّبْتُ غاية العجب كيف يَصْدُر هذا منه حتى رأيته في كتاب الشيخ في هذا الموضع عن بعضهم ولم يُسَمِّه ، فذهب تعجُّبي منه ، فإن لم يكنْ ذلك القائلُ القرافيَّ فقد صار له في المسألة سَلَفٌ ، وإلاَّ فقد اتَّحَدَ الأصل ، والظاهرُ أنه غيره .

وقوله : " إنكم " هو جواب والقسم الموطَّأ له باللام . قال الزمخشري : " فإن قلت : ما جواب القسم الذي وَطَّأَتْه اللامُ في قوله " لئن اتبعتم شعيباً " وجوابُ الشرط ؟ قلت : قوله : { إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } سادُّ مسدَّ الجوابين " قال الشيخ : " والذي قاله النحويون إنَّ جواب الشرط محذوفٌ لدلالةِ جواب القسم عليه ، ولذلك وَجَبَ مُضِيُّ فعلِ الشرط . فإن عَنَى بأنه سادٌّ مَسَدَّهما أنه اجْتُزِئ بذكره عن ذِكْرِ جواب الشرط فهو قريبٌ . وإن عَنَى من حيث الصناعة النحوية فليس كما زعم ؛ لأن الجملة يمتنع أن لا يكون لها محل من الإِعراب وأن يكون لها محلٌّ من الإِعراب " . قلت : قد تقدَّمَتْ هذه المسألة مِراراً واعتراضُ الشيخ عليه ، وتقدَّم الجوابُ عنه فلا أُعيده اكتفاءً بما تقدم . ويعني الشيخُ بقوله " لأنَّ الجملة يمتنع أن يكونَ لها محلٌّ من الإِعراب إلى آخره أنها من حيث كونُها جواباً للشرط يَسْتدعي أن يكونَ لها محلٌّ من الإِعراب وهو الجزم ، ومن حيث كونُها جواباً للقسم يستدعي أن لا يكونَ لها محلٌّ ؛ إذ الجملةُ التي هي جوابُ القسم لا محلَّ [ لها ] لأنها من الجمل المستأنفة المبتدَأ بها ، وقد تقرَّر أن الجملةَ الابتدائية لا محلَّ [ لها ] .