اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ لَئِنِ ٱتَّبَعۡتُمۡ شُعَيۡبًا إِنَّكُمۡ إِذٗا لَّخَٰسِرُونَ} (90)

لمّا بيَّن عظيم{[16541]} ضلالهم بتكذيب شعيب بيَّن أنهم لم يقتصروا على التكذيب حتى أضلّوا غيرهم ولاموهم على متابعة شعيب بقولهم : { لَئِنِ اتبعتم شُعَيْباً [ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } .

قوله : { إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُون } " إذن " حرفُ جواب وجزاء ، وقد تقدّم الكلام عليها مُشْبعاً ]{[16542]} وهي هنا معترضة بين الاسم والخبر ، وقد توهمَّ بعضهم فجعل " إذن " هذه " إذا " الظرفية في الاستقبال نحو [ قولك ]{[16543]} : " ألْزِمُك إذا جئتني " أي وقت مجيئك .

قال : " ثم حُذِفَت الجملة المضافةُ هي إليها ، والأصل : إنكم إذا اتبعتموه لخاسرون ، ف " إذا " ظرف والعاملُ فيه " لخاسرون " ، ثم حذفت الجملة المضافة إليها وهي " اتبعتموه " ، وعُوِّضَ منها التنوين ، فلما جيء بالتنوين وهو ساكن التقى بمجيئه ساكنان ، هو والألفُ قبله ، فحُذِفَت الألفُ لالتقاء الساكنين ، فبقي اللفظ " إذن " كما ترى " .

وزعم هذا القائل أن ذلك جائز بالحَمْل على " إذا " التي للمضيّ في قولهم : " حينئذٍ " و " يومئذٍ " فكما أن التنوين هنا عوض عن جملة عند الجمهور كذلك هنا .

وردّ أبو حيان هذا بأنه لم يَثْبُتْ هذا الحكم ل " إذا " الاستقبالية في غير هذا الموضع فيحمل هذا عليه .

قال شهاب الدين{[16544]} : وهذا ليس بلازم إذ لذلك القائل أن يقول : قَد وَجَدْتُ موضعاً غير هذا وهو قوله تعالى : { إِنَّا إِذاً لَّظَالِمُونَ } [ يوسف : 79 ] .

وقد رأيت كلام القرافي في قوله صلى الله عليه وسلم لمّا سألوه عن بيع الرطب بالتمر فقال : " أينقص الرُّطبُ إذا جفَّ ؟ فقالوا : نعم . فقال : فلا إذن " أن " إذن " هذه هي " إذا " الظرفية ، قال : كالتي في قوله تعالى : { إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض } [ الزلزلة : 1 ] فحذفت الجملة ، وذكره إلى آخره .

وكنت لمّا رأيته تعجبت غاية العجب كيف يَصْدرُ هذا منه حتى رأيته في كتاب الشيخ في هذا الموضع عن بعضهم ولم يُسَمِّه ، فذهب تعجبي منه ، فإن لم يكن ذلك القائلُ القرافيَّ فقد صار له في هذه المسألة سَلَفٌ ، وإلاَّ فقد اتحد الأصل ، والظاهر أنه غيره .

وقوله : " إنكم " هو جواب والقسم الموطَّأ له باللاَّم .

وقال الزمخشري{[16545]} : فإن قلت : ما جوا بالقسم الذي وطَّأتْه اللام في قوله : { لَئِنِ اتبعتم شُعَيْباً } وجوابُ الشرط ؟ .

قلت : قوله : { إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُون } سادٌّ مسد الجوابين .

قال أبو حيان{[16546]} : " فالذي قاله النحويون : إن جواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه ، ولذلك وجب مُضِيُّ فعل الشرط فإن عَنَى بأنه سادٌّ مَسَدَّهما أنه اجْتُزِئ بذكره عن ذكر جواب الشرط فهو قريب ، وإن عنى من حيث الصناعة النحوية فليس كما زعم ، لأن الجملة يمتنع ألا يكون لها محل من الإعراب وأن يكون لها محلٌّ من الإعراب " .

وهذه المسألة قد تقدَّمَتْ مِراراً واعتراض الشيخ عليه ، وتقدَّم جوابه ويعني الشيخ بقوله : لأنَّ الجلمة يمتنع أن يكون لها محلٌّ من الإعراب إلى آخره ؛ لأنها من حيث كونها .

جواباً للشرط تستدعي ألا يكون لها محل إذ الجملة [ الابتدائية ]{[16547]} لا محل لها .

فصل في معنى الخسران

قوله : " لخاسرون " أي في الدين ، وقال بعضهم : " في الدنيا أي مغبونون " .

وقال عطاء : " جاهدون " .

وقال الضحاك : " عجزة " {[16548]} .


[16541]:في أ: عظم.
[16542]:سقط من أ.
[16543]:سقط من أ.
[16544]:ينظر: الدر المصون 3/304.
[16545]:ينظر: الكشاف 2/131.
[16546]:ينظر: البحر المحيط 4/347.
[16547]:سقط من أ.
[16548]:ينظر: تفسير البغوي 2/182.