{ فَكَذَّبُوهُ } أي : صار التكذيب سجية لهم وخلقا ، لا يردعهم عنه رادع ، { فَأَهْلَكْنَاهُمْ } { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ }
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } على صدق نبينا هود عليه السلام وصحة ما جاء به وبطلان ما عليه قومه من الشرك والجبروت { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ } [ ص 596 ] مع وجود الآيات المقتضية للإيمان
ولا يستطرد السياق هنا في تفصيل ما ثار بينهم وبين رسولهم من جدل ؛ فيمضي قدما إلى النهاية :
وفي كلمتين اثنتين ينتهي الأمر ؛ ويطوى قوم عاد الجبارون ؛ وتطوى مصانعهم التي يتخذون ؛ ويطوى ما كانوا فيه من نعيم ، من أنعام وبنين وجنات وعيون !
وكم من أمة بعد عاد ظلت تفكر على هذا النحو ، وتغتر هذا الغرور ، وتبعد عن الله كلما تقدمت في الحضارة ، وتحسب أن الإنسان قد أصبح في غنية عن الله ! وهي تنتج من أسباب الدمار لغيرها ، والوقاية لنفسها ، ما تحسبه واقيا لها من أعدائها . . ثم تصبح وتمسي فإذا العذاب يصب عليها من فوقها ومن تحتها . عن أي طريق .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَكَذّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مّؤْمِنِينَ * وَإِنّ رَبّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ } .
يقول تعالى ذكره : فكذّبت عاد رسول ربهم هُودا ، والهاء في قوله فَكَذّبُوهُ من ذكر هود . فَأهْلَكْناهُمْ يقول : فأهلكنا عادا بتكذيبهم رسولنا ، إنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً يقول تعالى ذكره : إنّ في إهلاكنا عادا بتكذيبها رسولها ، لعبرةً وموعظةً لقومك يا محمد ، المكذّبيك فيما أتيتهم به من عند ربك . وَما كانَ أكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ يقول : وما كان أكثر من أهلكنا بالذين يؤمنون في سابق علم الله .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فكذبوه} بالعذاب في الدنيا {فأهلكناهم} بالريح. {إن في ذلك لآية} يقول: إن في هلاكهم بالريح لعبرة لمن بعدهم من هذه الأمة، فيحذروا مثل عقوبتهم، ثم قال سبحانه: {وما كان أكثرهم مؤمنين} ولو كان أكثرهم مؤمنين لم يعذبوا في الدنيا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: فكذّبت عاد رسول ربهم هُودا، والهاء في قوله "فَكَذّبُوهُ "من ذكر هود، "فَأهْلَكْناهُمْ" يقول: فأهلكنا عادا بتكذيبهم رسولنا. "إنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً" يقول تعالى ذكره: إنّ في إهلاكنا عادا بتكذيبها رسولها، لعبرةً وموعظةً لقومك يا محمد، المكذّبيك فيما أتيتهم به من عند ربك. "وَما كانَ أكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ" يقول: وما كان أكثر من أهلكنا بالذين يؤمنون في سابق علم الله.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فكذبوه فأهلكناهم} أهلكوا بالريح كقوله: {أما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية} الآية [الحاقة: 6]
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
قال الله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ} أي: فاستمروا على تكذيب نبي الله هود ومخالفته وعناده، فأهلكهم الله، وقد بيَّن سبب إهلاكه إياهم في غير موضع من القرآن بأنه أرسل عليهم ريحًا صرصرًا عاتية، أي: ريحًا شديدة الهبوب ذات برد شديد جدًا، فكان إهلاكهم من جنسهم، فإنهم كانوا أعتى شيء وأجبره، فسلط الله عليهم ما هو أعتى منهم وأشد قوة.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما تضمن هذا التكذيب، سبب عنه قوله: {فكذبوه} ثم سبب عنه قوله: {فأهلكناهم} أي بالريح بما لنا من العظمة التي لا تذكر عندها عظمتهم، والقوة التي بها كانت قوتهم {إن في ذلك} أي الإهلاك في كل قرن للعاصين والإنجاء للطائعين {لآية} أي عظيمة لمن بعدهم على أنه سبحانه فاعل ذلك وحده بسبب أنه يحق الحق ويبطل الباطل، وأنه مع أوليائه ومن كان معه لا يذل وعلى أعدائه ومن كان عليه لا يعز {وما كان أكثرهم} أي أكثر من كان بعدهم {مؤمنين} فلا تحزن أنت على من أعرض عن الإيمان.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{فَكَذَّبُوهُ} أي: صار التكذيب سجية لهم وخلقا، لا يردعهم عنه رادع، {فَأَهْلَكْنَاهُمْ} {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} على صدق نبينا هود عليه السلام وصحة ما جاء به وبطلان ما عليه قومه من الشرك والجبروت {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} [ص 596] مع وجود الآيات المقتضية للإيمان.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ولا يستطرد السياق هنا في تفصيل ما ثار بينهم وبين رسولهم من جدل؛ فيمضي قدما إلى النهاية:
وفي كلمتين اثنتين ينتهي الأمر؛ ويطوى قوم عاد الجبارون؛ وتطوى مصانعهم التي يتخذون؛ ويطوى ما كانوا فيه من نعيم، من أنعام وبنين وجنات وعيون!
وكم من أمة بعد عاد ظلت تفكر على هذا النحو، وتغتر هذا الغرور، وتبعد عن الله كلما تقدمت في الحضارة، وتحسب أن الإنسان قد أصبح في غنية عن الله! وهي تنتج من أسباب الدمار لغيرها، والوقاية لنفسها، ما تحسبه واقيا لها من أعدائها.. ثم تصبح وتمسي فإذا العذاب يصب عليها من فوقها ومن تحتها. عن أي طريق.
(إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي ترتب على ما قالوا الحكم بتكذيبهم، والفاء الثانية عاطفة للترتيب والتعقيب، أي عقب تكذيبهم، فأهلكوا بريح صرصر عاتية..وقال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً}، أي إن في هلاكهم بعد التكذيب، ونفيهم للتعذيب والبعث، وبطشهم وقوتهم وغرورهم لآية دالة على قدرة الله تعالى، وأنه يأخذ الظالمين في قدرتهم، ولا يعجزون الله، فما كانوا معجزين. ثم حكم الله تعالى عليهم باستمرار كفر أكثرهم، وكانوا بذلك مستحقين لما نزل بهم، ولذا قال تعالى: {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ} فما كان الهلاك للمؤمنين بل كان للكثرة الكافرة، وما أغنى عنهم طغيانهم وبطشهم.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ} بتكذيبهم وكفرهم وعنادهم، بعد قيام الحجة عليهم من الله، {إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَةً} لمن اعتبر بما أصاب من قبله من الأمم السالفة، ليتخذها دليلاً على النهج الحق الذي يلتقي برضا الله سبحانه، {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ}.