القول في تأويل قوله تعالى : { وَحَمَلْنَاهُ عَلَىَ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لّمَن كَانَ كُفِرَ } .
يقول تعالى ذكره : وحملنا نوحا إذ التقى الماء على أمر قد قُدر ، على سفينة ذات ألواح ودُسُر . والدسر : جمع دسار وقد يقال في واحدها : دسير ، كما يقال : حَبِيك وحِباك والدّسار : المسمار الذي تشدّ به السفينة يقال منه : دسرت السفينة إذا شددتها بمسامير أو غيرها .
وقد اختلف أهل التأويل في ذلك ، فقال بعضهم في ذلك بنحو الذي قلنا فيه . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، أخبرني ابن لَهِيعة ، عن أبي صخر ، عن القُرَظي ، وسُئل عن هذه الاَية وَحَمَلْناهُ على ذَاتِ ألْوَاح ودُسُر قال : الدّسُر : المسامير .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَحَمَلْناهُ على ذَاتِ ألْوَاحٍ ودُسُرٍ حدثنا أن دُسُرَها : مساميرها التي شُدّت بها .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ذَاتِ ألْوَاحٍ قال : معاريض السفينة قال : ودُسُر : قال دُسِرت بمسامير .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَدُسُر قال : الدسر : المسامير التي دُسرت بها السفينة ، ضُربت فيها ، شُدّت بها .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَدُسُرٍ يقول : المسامير .
وقال آخرون : بل الدّسُر : صَدْر السفينة ، قالوا : وإنما وصف بذلك لأنه يدفع الماء ويَدْسُرُه . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله : وحَمَلْناهُ على ذَاتِ ألْوَاحٍ ودُسُرٍ قال : تدسُر الماء بصدرها ، أو قال : بِجُؤْجُؤِها .
حدثنا بشر . قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان الحسن يقول في قوله : وَدُسُرٍ جؤجؤها تَدْسُرُ به الماء .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن أنه قال : تدسر الماء بصدرها .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَدُسُرٍ قال : الدّسُر : كَلْكَل السفينة .
وقال آخرون : الدسر : عوارض السفينة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الحصين ، عن مجاهد ذَاتِ ألْوَاحٍ وَدُسُرٍ قال : ألواح السفينة ودسر عوارضها .
وقال آخرون : الألواح : جانباها ، والدّسُر : طرفاها . ذكر من قال ذلك :
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ذَاتِ ألْوَاحٍ وَدُسُرٍ أما الألواح : فجانبا السفينة . وأما الدّسُر : فطرفاها وأصلاها .
وقال آخرون : بل الدّسُر : أضلاع السفينة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَدُسُرٍ قال : أضلاع السفينة .
و { ذات ألواح ودُسُر } صفة السفينة ، أقيمت مقام الموصوف هنا عوضاً عن أن يقال : وحملناه على الفلك لأن في هذه الصفة بيان متانة هذه السفينة وإحكام صنعها . وفي ذلك إظهار لعناية الله بنجاة نوح ومن معه فإن الله أمره بصنع السفينة وأوحى إليه كيفية صنعها ولم تكن تعرف سفينة قبلها ، قال تعالى : { وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون واصنع الفلك بأعيننا ووحينا } [ هود : 36 ، 37 ] ، وعادة البلغاء إذا احتاجوا لذكر صفة بشيء وكان ذكرها دالاً على موصوفها أن يستغنوا عن ذكر الموصوف إيجازاً كما قال تعالى : { أن اعمل سابغات } [ سبأ : 11 ] ، أي دروعاً سابغات .
والحمل : رفع الشيء على الظهر أو الرأس لنقله { وتحمل أثقالكم } [ النحل : 7 ] وله مجازات كثيرة .
والألواح : جمع لوح ، وهو القطعة المسوّاة من الخشب .
والدسر : جمع دِسار ، وهو المسمار .
وعدي فعل ( حملنا ) إلى ضمير نوح دون من معه من قومه لأن هذا الحمل كان إجابة لدعوته ولنصره فهو المقصود الأول من هذا الحمل ، وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى : { فأنجيناه والذين معه برحمة منا } [ الأعراف : 72 ] وقوله : { فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك } [ المؤمنون : 28 ] ونحوه من الآيات الدالة على أنه المقصود بالإنجاء وأن نجاة قومه بمعيته ، وحسبك قوله تعالى في تذييل هذه الآية { جزاء لمن كان كفر } فإن الذي كان كُفِر هو نوح كفر به قومه .
و { على } للاستعلاء المجازي وهو التمكن كقوله تعالى : { فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك } ، وإلا فإن استقراره في السفينة كائن في جوفها كما قال تعالى : { إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية } [ الحاقة : 11 ] { قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين } [ هود : 40 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.