{ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } أي : في ميدان التسارع في أفعال الخير ، همهم ما يقربهم إلى الله ، وإرادتهم مصروفة فيما ينجي من عذابه ، فكل خير سمعوا به ، أو سنحت لهم الفرصة إليه ، انتهزوه وبادروه ، قد نظروا إلى أولياء الله وأصفيائه ، أمامهم ، ويمنة ، ويسرة ، يسارعون في كل خير ، وينافسون في الزلفى عند ربهم ، فنافسوهم . ولما كان السابق لغيره المسارع قد يسبق لجده وتشميره ، وقد لا يسبق لتقصيره ، أخبر تعالى أن هؤلاء من القسم السابقين فقال :
{ وَهُمْ لَهَا } أي : للخيرات { سَابِقُونَ } قد بلغوا ذروتها ، وتباروا هم والرعيل الأول ، ومع هذا ، قد سبقت لهم من الله سابقة السعادة ، أنهم سابقون .
وقوله : أُولَئِكَ يُسارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين هذه الصفات صفاتهم ، يبادرون في الأعمال الصالحة ويطلبون الزلفة عند الله بطاعته . كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أُولَئكَ يُسارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ .
وقوله : وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ كان بعضهم يقول : معناه : سبقت لهم من الله السعادة ، فذلك سبوقهم الخيرات التي يعملونها . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَهُمْ لَها سَابِقُونَ يقول : سبقت لهم السعادة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَهُمْ لَهَا سابِقُونَ ، فتلك الخيرات .
وكان بعضهم يتأوّل ذلك بمعنى : وهم إليها سابقون . وتأوّله آخرون : وهم من أجلها سابقون .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب القول الذي قاله ابن عباس ، من أنه سبقت لهم من الله السعادة قبل مسارعتهم في الخيرات ، ولما سبق لهم من ذلك سارعوا فيها .
وإنما قلت ذلك أولى التأويلين بالكلام لأن ذلك أظهر معنييه ، وأنه لا حاجة بنا إذا وجهنا تأويل الكلام إلى ذلك ، إلى تحويل معنى «اللام » التي في قوله : وَهُمْ لَهَا إلى غير معناها الأغلب عليها .
{ أولئك يسارعون في الخيرات } يرغبون في الطاعات أشد الرغبة فيبادرونها ، أو يسارعون في نيل الخيرات الدنيوية الموعودة على صالح الأعمال بالمبادرة إليها كقوله تعالى { فآتاهم ثواب الدنيا } فيكون إثباتا لهم ما نفي عن أضدادهم . { وهم لها سابقون } لأجلها فاعلون السبق أو سابقون الناس إلى الطاعة أو الثواب أبو الجنة ، أو سابقونها أي ينالونها قبل الآخرة حيث عجلت لهم في الدنيا كقوله تعالى : { هم لها عاملون } .
وقرأ الجمهور «يسارعون » وقرأ الحر النحوي «يسرعون وأنهم إليها سابقون » ، وهذا قول بعضهم في قوله لها ، وقالت فرقة : معناه وهم من أجلها سابقون ، فالسابق على هذا التأويل هو إلى رضوان الله تعالى وعلى الأول هو إلى الخيرات ، وقال الطبري عن ابن عباس : المعنى سبقت لهم السعادة في الأزل فهم لها ورجحه الطبري بأن اللام متمكنة في المعنى{[8509]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.