إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَهُمۡ لَهَا سَٰبِقُونَ} (61)

{ أولئك } إشارةٌ إليهم باعتبارِ اتِّصافهم بها . وما فيهِ من مَعْنى البُعدِ للإشعارِ ببُعدِ رُتبتِهم في الفضلِ أي أولئكَ المنعُوتون بما فُصِّلَ من النُّعوتِ الجليلةِ خاصَّةً دُونَ غيرِهم { يسارعون في الخيرات } أي في نيلِ الخيراتِ التي من جُملتها الخيراتُ العاجلةُ الموعودةُ على الأعمالِ الصَّالحةِ كما في قوله تعالى : { فآتاهم الله ثَوَابَ الدنيا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخرة } وقوله تعالى : { وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين } فقد أثبتَ لهم ما نُفيَ عن أضدادِهم خلا أنَّه غيَّر الأسلوبَ حيثُ لم يقُلْ أولئكَ نُسارع لهم في الخيراتِ بل أسندَ المسارعة إليهم إيماءً إلى كمالِ استحقاقهم لنيل الخيرات بمحاسنِ أعمالهِم . وإيثارُ كلمةِ في على كلمةِ إلى للإيذان بأنَّهم متقلِّبون في فُنون الخيراتِ لا أنَّهم خارجُون عنها متوجِّهون إليها بطريق المُسارعة كما في قوله تعالى : { وَسَارِعُواْ إلى مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ } الآية { وَهُمْ لَهَا سابقون } أي إيَّاها سابقون واللاَّمُ لتقويةِ العملِ كما في قوله تعالى : { هُمْ لَهَا عاملون } أي ينالونَها قبل الآخرةِ حيثُ عُجِّلتْ لهم في الدُّنيا وقيل المرادُ بالخيراتِ الطَّاعاتُ . والمعنى يرغبون في الطَّاعاتِ والعباداتِ أشدَّ الرَّغبةِ وهم لأجلها فاعلون السَّبقَ أو لأجلِها سابقون النَّاسَ والأوَّلُ هو الأولى .