اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أُوْلَـٰٓئِكَ يُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَهُمۡ لَهَا سَٰبِقُونَ} (61)

قوله : { أولئك يُسَارِعُونَ } هذه الجملة خبر «إنَّ الَّذِينَ »{[33053]} ، وقرأ الأعمش : «إنَّهُمْ » بالكسر{[33054]} ، على الاستئناف ، فالوقف على «وَجِلَةٌ » تام أو كاف {[33055]} .

وقرأ الحسن : «يُسْرعُونَ »{[33056]} من أسْرَعَ . قال الزجاج : يُسَارِعُونَ أبلغ{[33057]} . يعني : من حيث إن المفاعلة تدل على قوة الفعل لأجل المبالغة {[33058]} .

قوله : { وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } في الضمير في «لَهَا » أوجه :

أظهرها : أنه يعود على الخيرات لتقدمها في اللفظ{[33059]} .

وقيل : يعود على الجنة{[33060]} . وقال ابن عباس : إلى السعادة{[33061]} . وقال الكلبي : سبقوا الأمم إلى{[33062]} الخيرات{[33063]} . والظاهر أن «سَابِقُونَ » هو الخبر ، و «لَهَا » متعلق به قُدّم للفاصلة وللاختصاص . واللام ، قيل : بمعنى ( إلى ) ، يقال : سبقت له ، وإليه ، بمعنى ومفعول «سَابِقُون » محذوف ، تقديره : سابقون الناس إليها{[33064]} . وقيل : اللام للتعليل ، أي : سابقون الناس لأجلها{[33065]} . وتكون هذه الجملة مؤكدة للجملة قبلها ، وهي { يُسَارِعُونَ فِي الخيرات } ، ولأنها تفيد معنى آخر وهو الثبوت والاستقرار بعدما دلَّت الأولى على التجدد {[33066]} .

وقال الزمخشري : أي : فاعلون السَّبق لأجلها ، أو سابقون الناس لأجلها{[33067]} قال أبو حيان وهذان القولان عندي واحد{[33068]} . قال شهاب الدين : ليسا بواحد{[33069]} إذ مراده بالتقدير الأول : أن لا يقدر السبق مفعول ألبتة ، وإنّما الغرض الإعلام بوقوع السبق منهم من غير نظرٍ إلى مَنْ سبقوه كقوله : «يُحْيِي وَيُمِيتُ »{[33070]} ، و «كُلُوا واشْرَبُوا »{[33071]} ، و «يعطي ويمنع » وغرضه في الثاني تقدير مفعول حذف للدلالة ، واللام للعلة في التقديرين{[33072]} وقال الزمخشري أيضاً : أو{[33073]} : إيّاها سابقون . أي : ينالونها قبل الآخرة حيث عجلت لهم في الدنيا{[33074]} . قال شهاب الدين : يعني أن «لَهَا » هو المفعول ب{[33075]} «سَابِقُونَ » ، وتكون اللام قد زيدت في المفعول ، وحسن زيادتها شيئان كل منهما لو انفرد لاقتضى الجواز ، كَوْن العامل فرعاً ، وكونه مقدّماً عليه معموله{[33076]} . قال أبو حيان : ولا يدل لفظ «لَهَا سَابِقُون » على هذا التفسير ، لأنّ سبق الشيء الشيء يدل على تقديم السابق على المسبوق ، فكيف يقول : وهم يسبقون الخيرات ، هذا لا يصح{[33077]} . قال شهاب الدين : ولا أدري عدم الصحة من أي جهةٍ ، وكأنّه تخيّل أنّ السابق يتقدم على المسبوق{[33078]} فكيف يتلاقيان ؟ لكنّه كان ينبغي أن يقول : فكيف يقول : وهم ينالون الخيرات ، وهم لا يجامعونها ، لتقدمهم عليها إلاّ أن يكون قد سبقه القلم فكتب بدل{[33079]} ( وهم ينالون ) ( وهم يسبقون ) وعلى كل تقدير فأين عدم الصحة{[33080]} ؟ وقال الزمخشري أيضاً : ويجوز أن يكون { وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ } خبراً بعد خبرٍ ومعنى «وَهُمْ لَهَا » كمعنى قوله :

أَنْتَ لَهَا أَحْمَد مِنَ بَيْنِ البَشَر{[33081]} *** . . .

يعني : أن هذا الوصف الذي وصف به الصالحين غير خارج من حد الوسع والطاقة {[33082]} .

فتحصل في اللام ثلاثة أقوال :

أحدها : أنها بمعنى ( إلى ) .

الثاني : أنها للتعليل على بابها .

والثالث : أنها مزيدة . وفي خبر المبتدأ قولان :

أحدهما : أنه «سَابِقُونَ » وهو الظاهر .

والثاني : أنه الجار كقوله .

أَنْتَ لَهَا أَحْمَد مِنْ بَيْنِ البَشَر{[33083]} *** . . .

وهذا قد رجّحه الطبري{[33084]} ، وهو مروي عن ابن عباس{[33085]} .


[33053]:من قوله: "إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون". انظر مشكل إعراب القرآن 2/112، البيان 2/186 – 187 البحر المحيط 6/411.
[33054]:تفسير ابن عطية 10/374، البحر المحيط 6/411.
[33055]:الوقف: هو السكوت على آخر الكلمة اختيار لتمام الكلام، فإن تم الكلام ولم يكن له تعلق بما بعده لا من جهة اللفظ، ولا من جهة المعنى، فهو الوقف التام لتمامه المطلق، فيوقف عليه، ويبدأ بما بعده، وأكثر ما يكون التام في الرؤوس الآي وانقضاء القصص وقد يكون في وسط الآية. وإن كان له تعلق بما بعده من جهة المعنى فقط فهو الوقف الكافي، للاكتفاء به عما بعده، واستغناء ما بعده عنه، وهو كالتام في جواز الوقف عليه والابتداء بما بعده، وهو يكثر في الفواصل وغيرها. انظر النشر 1/224.
[33056]:المختصر (98)، المحتسب 2/96، تفسير ابن عطية 10/374 البحر المحيط 6/411.
[33057]:قال الزجاج: (وجائز يسرعون في الخيرات، ومعناه معنى يسارعون يقال: أسرعت وسارعت في معنى واحد إلا أن سارعت أبلغ من أسرعت) معاني القرآن وإعرابه 4/17.
[33058]:ذلك أن المفاعلة تكون من اثنين، فتقتضي حث النفس على السبق، لأن من عارضك في شيء تشتهي أن تغلبه فيه. البحر المحيط 6/411.
[33059]:انظر البحر المحيط 6/411.
[33060]:المرجع السابق.
[33061]:انظر البغوي 6/26، تفسير ابن عطية 10/374.
[33062]:في ب: في.
[33063]:انظر البغوي 6/26، البحر المحيط 6/411.
[33064]:معاني القرآن للفراء 2/238، معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/17 البحر المحيط 6/411.
[33065]:انظر معاني القرآن للفراء 2/238، معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/17 التبيان 2/958 البحر المحيط 6/411.
[33066]:انظر البحر المحيط 6/411.
[33067]:الكشاف 3/50.
[33068]:البحر المحيط 6/411.
[33069]:في ب: يسابق أحد. وهو تحريف.
[33070]:[البقرة: 258]، وغير ذلك في مواطن كثيرة من القرآن الكريم. انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن ص (223).
[33071]:[البقرة: 187]، [الأعراف: 31].
[33072]:الدر المصون: 5/91.
[33073]:في الأصل: و.
[33074]:الكشاف 3/50.
[33075]:ب: سقط من ب.
[33076]:الدر المصون 5/91.
[33077]:البحر المحيط 6/411.
[33078]:في الأصل: بعد قوله: المسبوق. تكرير لكلام سابق وهو: فكيف يقول وهم يسبقون الخيرات هذا لا يصح. قال شهاب الدين: ولا أدري عدم الصحة من أي جهة وكأنه تخيل أن السابق يتقدم على المسبوق.
[33079]:بدل: سقط من ب.
[33080]:الدر المصون: 5/91.
[33081]:عجز بيت من بحر المتقارب لم أهتد إلى قائله وصدره: قصيد رائقة صوغتها. وهو في الكشاف 3/50، شرح شواهد (58) رائقة: خالية من الحشو والتعقيد. صوغتها: بالتشديد للمبالغة، أنت لها: أي: أهل لها وكفؤ. و(أنت) مبتدأ و (لها) خبر، وأحمد: منادى، ومن بين البشر: متعلق بمحذوف حال، أي: منتخبا من بينهم ويجوز أن يكون أحمد أفعل تفضيل.
[33082]:الكشاف 3/50.
[33083]:تقدم الحديث عنه قريبا.
[33084]:جامع البيان 18/27.
[33085]:أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله "أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون" قال: سبقت لهم السعادة من الله. الدر المنثور 5/12.