{ 33-62 } { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى * وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى * أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى * أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا *وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى }
إلى آخر السورة يقول تعالى : { أَفَرَأَيْتَ } قبح حالة من أمر بعبادة ربه وتوحيده ، فتولى عن ذلك وأعرض عنه ؟
القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَرَأَيْتَ الّذِي تَوَلّىَ * وَأَعْطَىَ قَلِيلاً وَأَكْدَىَ * أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىَ * أَمْ لَمْ يُنَبّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىَ * وَإِبْرَاهِيمَ الّذِي وَفّىَ * أَلاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ * وَأَن لّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَىَ } .
يقول تعالى ذكره : أفرأيت يا محمد الذي أدبر عن الإيمان بالله ، وأعرض عنه وعن دينه ، وأعطى صاحبه قليلاً من ماله ، ثم منعه فلم يعطه ، فبخِل عليه . وذُكر أن هذه الاَية نزلت في الوليد بن المغيرة من أجل أنه عاتبه بعض المشركين ، وكان قد اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه ، فضمن له الذي عاتبه إن هو أعطاه شيئا من ماله ، ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الاَخرة ، ففعل ، فأعطى الذي عاتبه على ذلك بعض ما كان ضمن له ، ثم بخل عليه ومنعه تمام ما ضمن له . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وأكْدَى قال الوليد بن المغيرة : أعطى قليلاً ثم أكدى .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أفَرأَيْتَ الّذِي تَوَلّى . . . إلى قوله : فَهُوَ يَرَى قال : هذا رجل أسلم ، فلقيه بعض من يُعَيّره فقال : أتركت دين الأشياخ وضَلّلتهم ، وزعمت أنهم في النار ، كان ينبغي لك أن تنصرهم ، فكيف يفعل بآبائك ، فقال : إني خشيت عذاب الله ، فقال : أعطني شيئا ، وأنا احمل كلّ عذاب كان عليك عنك ، فاعطاه شيئا ، فقال زدني ، فتعاسر حتى أعطاه شيئا ، وكتب له كتابا ، وأشهد له ، فذلك قول الله : أفَرأيْتَ الّذِي تَوَلي وأعْطَى قَلِيلاً وأكْدَى عاسره أعِنْدَهُ عِلْمُ الغَيْبِ فَهُوَ يَرَى نزلت فيه هذه الاَية . وبنحو الذي قلنا في معنى قوله : أكْدَى قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن أبي سنان الشيباني ، عن ثابت ، عن الضحاك ، عن ابن عباس أعْطَى قَلِيلاً وأكْدَى قال : أعطى قليلاً ثم انقطع .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : أفَرأَيْتَ الّذِي تَوَلى وأعْطَى قَلِيلاً وأكْدَى يقول : أعطى قليلاً ثم انقطع .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وأعْطَى قَلِيلاً وأكْدَى قال : انقطع فلا يُعْطِي شيئا ، ألم تر إلى البئر يقال لها أكدت .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وأكْدَى : انقطع عطاؤه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن ابن طاوس وقتادة ، في قوله : وأكْدَى قال : أعطى قليلاً ، ثم قطع ذلك .
قال : ثنا ابن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن عكرِمة مثل ذلك .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وأكْدَى أي بخل وانقطع عطاؤه .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وأكْدَى يقول : انقطع عطاؤه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وأكْدَى عاسره ، والعرب تقول : حفر فلان فأكدى ، وذلك إذا بلغ الكدية ، وهو أن يحفِر الرجل في السهل ، ثم يستقبله جبل فيُكْدِي ، يقال : قد أكدى كداء ، وكديت أظفاره وأصابعه كدًى شديدا ، منقوص : إذا غلظت ، وكديت أصابعه : إذا كلّت فلم تعمل شيئا ، وكدا النبت إذا قلّ ريعه يهمز ولا يهمز . وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول : اشتق قوله : أكدى ، من كُدَية الركِيّة ، وهو أن يحفِر حتى ييأس من الماء ، فيُقال حينئذٍ بلغنا كُدْيتها .
وقوله تعالى : { أفرأيت الذي تولى } الآية ، قال مجاهد وابن زيد وغيرهما نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي وذلك أنه سمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وجلس إليه ووعظه رسول الله ، فقرب من الإسلام ، وطمع النبي عليه السلام فيه ، ثم إنه عاتبه رجل من المشركين وقال له : أتترك ملة آبائك ؟ ارجع إلى دينك واثبت عليه وأنا أتحمل لك بكل شيء تخافه في الآخرة ، لكن على أن تعطيني كذا وكذا من المال ، فوافقه الوليد على ذلك ، ورجع عما هم به من الإسلام وضل ضلالاً بعيداً ، وأعطى بعض ذلك المال لذلك الرجل ثم أمسك عنه وشح ، فنزلت الآية فيه .
وذكر الثعلبي عن قوم أنها نزلت في عثمان بن عفان في قصة جرت له مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح{[10718]} وذلك كله عندي باطل ، وعثمان رضي الله عنه منزه عن مثله ، وقال السدي : نزلت في العاصي بن وائل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.