البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَفَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ} (33)

{ أفرأيت } الآية ، قال مجاهد وابن زيد ومقاتل : نزلت في الوليد بن المغيرة ، كان قد سمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجلس إليه ووعظه ، فقرب من الإسلام ، وطمع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ثم إنه عاتبة رجل من المشركين ، فقال له : أتترك ملة آبائك ؟ ارجع إلى دينك واثبت عليه ، وأنا أتحمل لك بكل شيء تخافه في الآخرة ، لكن على أن تعطيني كذا وكذا من المال .

فوافقه الوليد على ذلك ، ورجع عن ما هم به من الإسلام ، وضل ضلالاً بعيداً ، وأعطى بعض ذلك المال لذلك الرجل ، ثم أمسك عنه وشح .

وقال الضحاك : هو النضر بن الحارث ، أعطى خمس فلايس لفقير من المهاجرين حتى ارتد عن دينه ، وضمن له أن يحمل عنه مآثم رجوعه .

وقال السدي : نزلت في العاصي بن وائل السهمي ، كان ربما يوافق النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور .

وقال محمد بن كعب : في أبي جهل بن هشام ، قال : والله ما يأمر محمد إلا بمكارم الأخلاق .

وروي عن ابن عباس والسدي أنها نزلت في عثمان بن عفان ، رضي الله تعالى عنه ؛ كان يتصدق ، فقال له أخوه من الرضاعة عبد الله بن سعد بن أبي سرح نحواً من كلام القائل للوليد بن المغيرة الذي بدأنا به .

وذكر القصة بتمامها الزمخشري ، ولم يذكر في سبب النزول غيرها .

قال ابن عطية : وذلك كله عندي باطل ، وعثمان رضي الله عنه منزه عن مثله . انتهى .

وأفرأيت هنا بمعنى : أخبرني ، ومفعولها الأول الموصول ، والثاني الجملة الاستفهامية ، وهي : { أعنده علم الغيب } .

و { تولى } : أي أعرض عن الإسلام .

وقال الزمخشري : { تولى } : ترك المركز يوم أحد . انتهى .

لما جعل الآية نزلت في عثمان ، فسر التولي بهذا .

وإذا ذكر التولي غير مقيد في القرآن ، فأكثر استعماله أنه استعارة عن عدم الدخول في الإيمان .