ثم قال تعالى : { أفرأيت الذي تولى ، وأعطى قليلا وأكدى ، أعنده علم الغيب فهو يرى } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال بعض المفسرين : نزلت الآية في الوليد بن المغيرة جلس عند النبي صلى الله عليه وسلم وسمع وعظه ، وأثرت الحكمة فيه تأثيرا قويا ، فقال له رجل : لم تترك دين آبائك ، ثم قال له : لا تخف وأعطني كذا وأنا أتحمل عنك أوزارك ، فأعطاه بعض ما التزمه ، وتولى عن الوعظ وسماع الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم : نزلت في عثمان رضي الله عنه ، كان يعطي ماله عطاء كثيرا ، فقال له أخوه من أمه عبد الله بن سعد بن أبي سرح : يوشك أن يفنى مالك فأمسك ، فقال له عثمان : إن لي ذنوبا أرجو أن يغفر الله لي بسبب العطاء ، فقال له أخوه : أنا أتحمل عنك ذنوبك إن تعطي ناقتك مع كذا ، فأعطاه ما طلب وأمسك يده عن العطاء ، فنزلت الآية ، وهذا قول باطل لا يجوز ذكره ، لأنه لم يتواتر ذلك ولا اشتهر ، وظاهر حال عثمان رضي الله عنه يأبى ذلك ، بل الحق أن يقال : إن الله تعالى لما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم من قبل { فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا } وكان التولي من جملة أنواعه تولي المستغني ، فإن العالم بالشيء لا يحضر مجالس ذكر ذلك الشيء ، ويسعى في تحصيل غيره ، فقال { أفرأيت الذي تولى } عن استغناء ، أعلم بالغيب ؟ .
المسألة الثانية : الفاء تقتضي كلاما يترتب هذا عليه ، فماذا هو ؟ نقول : هو ما تقدم من بيان علم الله وقدرته ، ووعده المسيء والمحسن بالجزاء وتقديره هو أن الله تعالى لما بين أن الجزاء لا بد من وقوعه على الإساءة والإحسان ، وأن المحسن هو الذي يجتنب كبائر الإثم ، فلم يكن الإنسان مستغنيا عن سماع كلام النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه ، فبعد هذا من تولى لا يكون توليه إلا بعد غاية الحاجة ونهاية الافتقار .
المسألة الثالثة : { الذي } على ما قال بعض المفسرين عائد إلى معلوم ، وهو ذلك الرجل وهو الوليد ، والظاهر أنه عائد إلى مذكور ، فإن الله تعالى قال من قبل { فأعرض عن من تولى عن ذكرنا } وهو المعلوم لأن الأمر بالإعراض غير مختص بواحد من المعاندين فقال : { أفرأيت الذي تولى } أي الذي سبق ذكره ، فإن قيل : كان ينبغي أن يقول الذين تولوا ، لأن ( من ) في قوله : { عمن تولى } للعموم ؟ نقول : العود إلى اللفظ كثير شائع قال تعالى : { من جاء بالحسنة فله } ولم يقل فلهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.