التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{أَفَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ} (33)

وبعد هذا التوجيه الحكيم للنفوس البشرية ، والبيان البديع لمظاهر رحمة الله - تعالى - بعباده بعد ذلك أخذت السورة فى الحديث مرة أخرى عن الكافرين . وفى الرد على شبهاتهم ، وفى بيان مظاهر قدرته - تعالى - فقال - سبحانه - : { أَفَرَأَيْتَ الذي تولى . . . . } .

ذكر المفسرون روايات فى سبب نزول قوله - تعالى - : { أَفَرَأَيْتَ الذي تولى وأعطى قَلِيلاً وأكدى } منها : أنها نزلت فى الوليد بن المغيرة ، كان قد سمع قراءة النبى - صلى الله عليه وسلم - ، وجلس إليه ووعظه ، فَهَمَّ أن يدخل فى الإسلام . فعاتبه رجل من المشركين ، وقال له : أتترك ملة آبائك ؟ ارجع إلى دينك ، واثبت عليه ، وأنا أتحمل عنك كل شىء تخافه فى الآخرة ، لكن على أن تعطينى كذا وكذا من المال .

فوافقه الوليد على ذلك ، ورجع عماهم به من الدخول فى الإسلام ، وأعطى بعض المال لذلك الرجل ، ثم أسمك عن الباقى ، وبخل به ، فأنزل الله - تعالى - هذه الآيات . . .

والاستفهام فى قوله - تعالى - : { أَفَرَأَيْتَ . . . } للتعجيب من حال هذا الإنسان ، الذى أعرض عن الحق ، بعد أن عرف الطريق إليه .

أى : أفرأيت - أيها الرسول الكريم - حالا أعجب من حال هذا الإنسان الذى تولى عن الهدى ، ونبذه وراء ظهره ، بعد أن قارب الدخول فيه .