وَقَالَ مُوسَى حين جاء إلى فرعون يدعوه إلى الإيمان .
يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أي : إني رسول من مرسل عظيم ، وهو رب العالمين ، الشامل للعالم العلوي والسفلي ، مربي جميع خلقه بأنواع التدابير الإلهية ، التي من جملتها أنه لا يتركهم سدى ، بل يرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين ، وهو الذي لا يقدر أحد أن يتجرأ عليه ، ويدعي أنه أرسله ولم يرسله .
ثم بعد هذا التنبيه الاجمالى إلى مآل المفسدين ، أخذت السورة تحكى لنا ما دار بين موسى - عليه السلام - وبين فرعون بصورة مفصلة فقالت : { وَقَالَ موسى يافرعون إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين } أى : قال موسى - عليه السلام - لفرعون في أدب واعتزاز إنى رسول من رب العالمين ، أرسلنى إليك لأدعوك لعبادته والخضوع له .
و { فرعون } اسم كل ملك لمصر في ذلك الزمان فخاطبه موسى بأعظم أسمائه وأحبها إليه إذ كان من الفراعنة كالنمارذة في اليونان ، وقيصر في الروم ، وكسرى في فارس ، والنجاشي في الحبشة ، وروي أن موسى بن عمران بن فاهت بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن ، وروي أن اسم فرعون موسى عليه السلام الوليد بن مصعب ، وقيل هو فرعون يوسف وأنه عمر نيفاً وأربعمائة سنة .
قال القاضي أبو محمد : ومن قال إن يوسف المبعوث الذي أشار إليه موسى في قوله { ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات } هو غير يوسف الصديق فليس يحتاج إلى نظر ، ومن قال إنه يوسف الصديق فيعارضه ما يظهر من قصة يوسف ، وذلك أنه ملك مصر بعد عزيزها ، فكيف يستقيم أن يعيش عزيزها إلى مدة موسى ، فينفصل أن العزيز ليس بفرعون الملك إنما كان حاجباً له .
وقرأ نافع وحده { عليّ } بإضافة «على » إليه ، وقرأ الباقون «على » سكون الياء ، قال الفارسي : معنى هذه القراءة أن «على » وضعت موضع الباء ، كأنه قال حقيق بأن لا أقول على الله الحق كما وضعت الباء موضع «على » في قوله { ولا تقعدوا بكل صراط } فيتوصل إلى المعنى بهذه ، وبهذه وكما تجيء «على » أيضاً بمعنى عن ، ومنه قول الشاعر في صفة قوسه :
عُطف قول موسى بالواو ، ولم يفصل عمّا قبله ، مع أن جملة هذا القول بمنزلة البيان لجملة { بعثنا من بعدهم موسى } [ الأعراف : 103 ] ، لأنه لما كان قوله : { بآياتنا } [ الأعراف : 103 ] حالاً من موسى فقد فهم أن المقصود تنظير حال الذين أرسل إليهم موسى بحال الأمم التي مضى الإخبار عنها في المكابرة على التكذيب ، مع ظهور آيات الصدق ، ليتم بذلك تشابه حال الماضين مع حال الحاضرين المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم فجُعلت حكايةُ محاورة موسى مع فرعون وملئه خَبَراً مستقلاً لأنه لم يُحك فيه قوله المقارن لإظهار الآية بل ذكرت الآية من قبلُ ، بخلاف ما حكي في القصص التي قبلَها فإن حكاية أقوال الرسل كانت قبل ذكر الآية ، ولأن القصة هنا قد حكي جميعها باختصار بجُمَل { بَعَثْنَا } [ الأعراف : 103 ] ، { فظلموا } [ الأعراف : 103 ] ، { فانظر } [ الأعراف : 103 ] ، فصارت جملة : { قال } تفصيلاً لبعض ما تقدم ، فلا تكون مفصولة لأن الفصل إنما يكون بين جملتين ، لا بين جملة وبين عدة جمل أخرى .
والظاهر أن خطاب موسى فرعونَ بقوله : { يا فرعون } خطاب إكرام لأنه ناداه بالاسم الدال على الملك والسلطان بحسب متعارف أمته فليس هو بترفع عليه لأن الله تعالى قال له ولهارون { فقولا له قولاً لينّاً } [ طه : 44 ] ، والظاهر أيضاً أن قول موسى هذا هو أول ما خاطب به فرعون كما دلت عليه سورة طه .
وصوغ حكاية كلام موسى بصيغة التأكيد بحرف ( إن ) لأن المخاطب مظنة الإنكار أو التردد القوي في صحة الخبر .
واختيار صفة { رب العالمين } في الإعلام بالمرسِل إبطال لاعتقاد فرعون أنه رب مصر وأهلها فإنه قال لهم : { أنا ربكم الأعلى } [ النازعات : 24 ] فلما وصف موسى مُرْسلَه بأنه رب العالمين شمل فرعون وأهل مملكته فتبطل دعوى فرعون أنه إلاه مصر بطريق اللزوم ، ودخل في ذلك جميع البلاد والعباد الذين لم يكن فرعون يدعي أنه إلههم مثل الفرس والأشوريين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.