وقوله - سبحانه - { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ القرار } بيان لدار بوارهم وهلاكهم أى : جهنم يصلون حرها وسعيرها ، وبئس القرار قرارهم فيها .
فقوله { جهنم } عطف بيان لدار البوار ، وقوله { يصلونها } فى محل نصب حال من { جهنم } يقال : صلى فلان النار - من باب تعب - إذا ذاق حرها ، وتقول : صليت اللحم أصليه - من باب رمى - إذا شويته .
والمخصوص بالذم محذوف . أى : بئس القرار هى أى : جهنم .
وفيه إشارة إلى أن حلولهم فيها كائن على وجه الدوام والاستمرار .
( جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ )
وبهذا الاستبدال العجيب قادوا قومهم إلى جهنم ، وأنزلوهم بها - كما شاهدنا منذ قليل في الأقوام من قبل ! - وبئس ما أحلوهم من مستقر ، وبئس القرار فيها من قرار ! ألم تر إلى تصرف القوم العجيب ، بعد ما رأوا ما حل بمن قبلهم - وقد عرضه القرآن عليهم عرض رؤية في مشاهد تلك القصة التي مضى بها الشوط الأول من السورة . عرضه كأنه وقع فعلا . وإنه لواقع . وما يزيد النسق القرآني على أن يعرض ما تقرر وقوعه في صورة الواقع المشهود .
وقوله : { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً } الآية ، هذا تنبيه على مثال من ظالمين أضلوا ، والتقدير : بدلوا شكر نعمة الله كفراً ، وهذا كقوله : { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون }{[7074]} [ الواقعة : 82 ] .
و { نعمة الله } المشار إليها في هذه الآية هو محمد عليه السلام ودينه ، أنعم الله به على قريش ، فكفروا النعمة ولم يقبلوها ، وتبدلوا بها الكفر .
والمراد ب { الذين } كفرة قريش جملة - هذا بحسب ما اشتهر من حالهم - وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين . وروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب : أنها نزلت في الأفجرين من قريش : بني مخزوم وبني أمية . قال عمر : فأما بنو المغيرة فكفوا يوم بدر{[7075]} . وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين ، وقال ابن عباس : هذه الآية في جبلة بن الأيهم{[7076]} .
قال القاضي أبو محمد : ولم يرد ابن عباس أنها فيه نزلت لأن نزول الآية قبل قصته ، وإنما أراد أنها تحصر من فعل جبلة إلى يوم القيامة .
وقوله : { وأحلوا قومهم } أي من أطاعهم ، وكان معهم في التبديل ، فكأن الإشارة والتعنيف إنما هي للرؤوس والأعلام ، و { البوار } الهلاك ، ومنه قول أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب .
يا رسول المليك إن لساني . . . فاتقٌ ما رتَقْتَ إذ أنا بُور{[7077]}
قال الطبري : وقال هو وغيره : إنه يروى لابن الزبعرى .
ويحتمل أن يريد ب { البوار } : الهلاك في الآخرة ففسره حينئذ بقوله : { جهنم يصلونها } ، يحترقون في حرها ويحتملونه ، ويحتمل أن يريد ب { البوار } : الهلاك في الدنيا بالقتل والخزي فتكون «الدار » قليب بدر ونحوه . وقال عطاء : نزلت هذه الآية في قتلى بدر .
قال القاضي أبو محمد : فيكون قوله : { جهنم } نصباً ، على حد قولك : زيداً ضربته ، بإضمار فعل يقتضيه الظاهر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.