تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{جَهَنَّمَ يَصۡلَوۡنَهَاۖ وَبِئۡسَ ٱلۡقَرَارُ} (29)

الآية 29 : فمن ( يقول : ) {[9624]} نزلت بالمدينة يقول : قوله : { وأحلوا قومهم دار البوار } { جهنم } ( إبراهيم : 28و29 ) هو بدر ، أي حملوهم إلى بدر حتى قتلوا ، لأنه لم يكن بمكة بدر ، إنما كان بالمدينة . ومن يقول : نزلت بمكة يقول : { دار البوار } هي جهنم على ما فسره ظاهر الكتاب ، وهو الأشبه بظاهر الآية ، لأنه بين تلك الدار ، فقال : { جهنم } ( إبراهيم : 29 ) .

وفي الآية دلالة أن الآية في عظمائهم وكبرائهم حين {[9625]} قال : { وأحلوا قومهم } الآية .

ثم اختلف في النعمة التي ذكر أنهم بدلوها كفرا ( فهي تحتمل وجهين ){[9626]} :

أحدهما : أن الله عز وجل قد أنعم عليهم في هذه الدنيا ؛ ووسعها عليهم ، فحرموا تلك النعم على أنفسهم ، فجعلوها للأصنام التي عبدوها ، وسيبوها ، ولم ينتفعوا بها من نحو البحيرة التي ذكروا والصائبة والتوصيلة والحامي . وما جعلوا للأصنام هو ما ذكر : { وهذا لشركائنا } ( الأنعام : 136 ) فذلك تبديل النعمة كفرا حين{[9627]} حرموا ما أنعم الله عليهم كفرا ، وأحل لهم .

والثاني : تلك النعمة محمد أو القرآن أو الإسلام ( وهي نعمة كذبوها ){[9628]} أو أن يكونوا بدلوا الشكر الذي عليهم بما أنعم عليهم كفرا ، جعلوها سببا للكفر ، فلم يشكروه بما أنعم عليهم .

وقوله تعالى : { بدلوا نعمة الله كفرا } حقيقة تخرج على وجهين :

أحدهما : بدلوا ، وصرفوا ما أنعم الله عليهم ، وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن أنفسهم حتى أخذ منهم ، بدلوا به كفرا .

والثاني : بدلوا به كفرا ، بعدما سألوا ربهم { وأقسموا بالله جهد أيمانهم } ( الأنعام : 109 ) فلم يشكروا ما أنعم عليهم ، وبدلوا الشكر كفرا .

وقوله تعالى : { وأحلوا قومهم دار البوار } أي أنزلوا . دل هذا أن الآية نزلت في الرؤساء من الكفرة والأئمة منهم حين {[9629]} أخبر أنهم أحلوا قومهم دار البوار . ذكر : أحلوا قومهم على الماضي لأنه قد وجد منهم الجناية بالإحلال في دار البوار ، وذكر في دخولهم جهنم على الائتناف بقوله : { جهنم يصلونها وبئس القرار } لما لم يوجد بعد ، سيوجد .

ويجوز أن يستدل بهذا لأصحابنا لمسألة ، وهو أن العبد إذا حفر بئرا ، ثم أعتق ، فوقع في البئر إنسان ، ينظر في قيمة العبد يوم حفر ، لأن الحفر منه جناية ، وإلى الواقع فيه يوم الوقوع لا يوم الحفر ، لأنه لم يوجد بعد يوم الحفر جناية . أو أن يقال : أحلوا أرواحهم دار البوار : فتدخل أجسادهم يومئذ ، لم تدخل [ أرواحهم ]{[9630]} بعد .


[9624]:من م، ساقطة من الأصل.
[9625]:في الأصل وم: حيث.
[9626]:في الأصل وم: فهو يحتمل وجوها.
[9627]:في الأصل وم: حيث.
[9628]:في الأصل وم: وهو نعمة كذبوهم.
[9629]:في الأصل وم: حيث.
[9630]:ساقطة من الأصل وم.