المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{كَذَّبَ أَصۡحَٰبُ لۡـَٔيۡكَةِ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (176)

176- هذه قصة شعيب مع أصحاب الأيكة - وهي غَيْضة تنبت ناعم الشجر بقرب مَدْيَن - نزل بها جماعة من الناس وأقاموا بها ، فبعث الله إليهم شعيباً كما بعث إلى مدين ، فكذبوه في دعوته ، وبهذا كانوا منكرين لجميع الرسالات .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كَذَّبَ أَصۡحَٰبُ لۡـَٔيۡكَةِ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (176)

{ كَذَّبَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ } .

أصحاب الأيكة : أي : البساتين الملتفة أشجارها{[582]}وهم أصحاب مدين ، فكذبوا نبيهم شعيبا ، الذي جاء بما جاء به المرسلون .


[582]:- كذا في ب، وفي أ: أشجاره.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَذَّبَ أَصۡحَٰبُ لۡـَٔيۡكَةِ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (176)

ثم جاءت فى نهاية هذه القصص ، قصة شعيب - عليه السلام - مع قومه . فقال - تعالى - : { كَذَّبَ أَصْحَابُ . . . } .

الأيكة : منطقة مليئة بالأشجار ، كانت - فى الغالب - بين الحجاز وفلسطين حول خليج العقبة ، ولعلها المنطقة التى تسمى بمعان .

وشعيب ينتهى نسبه إلى إبراهيم - عليهما السلام - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شعيبا قال : " ذلك خطيب الأنبياء " لحسن مراجعته لقومه ، وقوة حجته .

وكان قومه أهل كفر وبخس للمكيال والميزان ، وقطع الطريق ، فدعاهم إلى وحدانية الله - تعالى - وإلى مكارم الأخلاق .

قال ابن كثير : " هؤلاء - أعنى أصحاب الأيكة - هم أهل مدين على الصحيح ، وكان نبى الله شعيب من أنفسهم وإنما لم يقل ها هنا : أخوهم شعيب ، لأنهم نسبوا إلى عبادة الأيكة وهى شجرة . وقيل شجر ملتف كالغيضة . كانوا يعبدونها ، فلهذا لما قال : كذب أصحاب الأيكة المرسلين ، لم يقل : إذ قال لهم أخوهم شعيب ، وإنما قال : { إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلاَ تَتَّقُونَ } فقطع نسبة الأخوة بينهم ، للمعنى الذى نسبوا إليه ، وإن كان أخاهم نسبا ، ومن الناس من لم يتفطن لهذه النكتة ، فظن أن أصحاب الأيكة غير أهل مدين ، فزعم أن شعيبا - عليه السلام - بعثه الله إلى أمتين . . . والصحيح أنهم أمة واحدة وصفوا فى كل مقام بشىء ، ولهذا وعظ هؤلاء وأمرهم بوفاء المكيال والميزان ، كما فى قصة مدين سواء بسواء . . . " .

وقد افتتح شعيب - عليه السلام - دعوته لقومه . بأمرهم بتقوى الله - تعالى - وببيان أنه أمين فى تبليغهم ما أمره الله بتبليغه إليهم ، وبمصارحتهم بأنه لا يسألهم أجراً على دعوته إياهم إلى ما يسعدهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَذَّبَ أَصۡحَٰبُ لۡـَٔيۡكَةِ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (176)

وهذه قصة شعيب - ومكانها التاريخي قبل قصة موسى - تجيء هنا في مساق العبرة كبقية القصص في هذه السورة . وأصحاب الأيكة هم - غالبا - أهل مدين . والأيكة الشجر الكثيف الملتف . ويبدو أن مدين كانت تجاورها هذه الغيضة الوريفة من الأشجار . وموقع مدين بين الحجاز وفلسطين حول خليج العقبة .

وقد بدأهم شعيب بما بدأ به كل رسول قومه من أصل العقيدة والتعفف عن الأجر ،

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كَذَّبَ أَصۡحَٰبُ لۡـَٔيۡكَةِ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (176)

هؤلاء - أعني أصحاب الأيكة - هم أهل مدين على الصحيح . وكان نبي الله شعيب من أنفسهم ، وإنما لم يقل هنا أخوهم شعيب ؛ لأنهم نسبوا إلى عبادة الأيكة ، وهي شجرة . وقيل : شجر ملتف كالغَيضة ، كانوا يعبدونها ؛ فلهذا لما قال : كذب أصحاب الأيكة المرسلين ، لم يقل : " إذ قال لهم أخوهم شعيب " ، وإنما قال : { إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ } ، فقطع نسبة الأخوة بينهم ؛ للمعنى الذي نسبوا إليه ، وإن كان أخاهم نسبا . ومن الناس مَنْ لم يتفطن لهذه النكتة ، فظن أن أصحاب الأيكة غير أهل مدين ، فزعم أن شعيبًا عليه السلام ، بعثه الله إلى أمتين ، ومنهم مَنْ قال : ثلاث أمم .

وقد روى إسحاق بن بشر الكاهلي - وهو ضعيف - حدثني ابن السدي ، عن أبيه - وزكريا بن عمر{[1]} ، عن خَصِيف ، عن عِكْرِمة قالا ما بعث الله نبيًا مرتين إلا شعيبًا ، مرة إلى مدين فأخذهم الله بالصيحة ، ومرة إلى أصحاب الأيكة فأخذهم الله بعذاب يوم الظُّلَّةِ .

وروى أبو القاسم البغوي ، عن هُدْبَة ، عن هَمَّام ، عن قتادة في قوله تعالى : { وَأَصْحَابَ الرَّسِّ } . [ ق : 12 ] قوم شعيب ، وقوله : { وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ } . [ ق : 14 ] قوم شعيب .

قال إسحاق بن بشر : وقال غير جُوَيْبر : أصحاب الأيكة ومدين هما واحد . والله أعلم .

وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة " شعيب " ، من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، عن أبيه ، عن معاوية بن هشام ، عن هشام بن سعد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن ربيعة بن سيف ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن قوم مدين وأصحاب الأيكة أمتان ، بعث{[2]} الله إليهما شعيبًا النبي ، عليه السلام " {[3]} .

وهذا غريب ، وفي رفعه نظر ، والأشبه أن يكون موقوفا . والصحيح أنهم أمة واحدة ، وصفوا في كل مقام بشيء ؛ ولهذا وعظ هؤلاء وأمرهم بوفاء المكيال والميزان ، كما في قصة مدين سواء بسواء{[4]} ، فدل ذلك على أنهم أمة واحدة{[5]} .


[1]:زيادة من أ.
[2]:ورواه ابن مردويه وأبو الشيخ كما في الدر (3/270).
[3]:في د: "وأديت".
[4]:في د: "إنهم قالوا".
[5]:في د: "تكفروهما".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَذَّبَ أَصۡحَٰبُ لۡـَٔيۡكَةِ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (176)

وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر «أصحاب ليكة » على وزن فعلة هنا وفي ص{[8964]} ، وقرأ الباقون «الأيكة » وهي الدوحة الملتفة من الشجر على الإطلاق ، وقيل من شجر معروف له غضارة تألفه الحمام والقماري ونحوها ، وقال قتادة كان شجرهم هذا دوماً ، و { ليكة } اسم البلد في قراءة من قرأ ذلك قاله بعض المفسرين ، ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام ، وذهب قوم إلى أنها مسهلة من «الأيكة » وأنها وقعت في المصحف هنا وفي سورة ص بغير ألف ، وقال أبو علي سقوط ذلك من المصحف لا يرجح النطق بها هكذا ، لأن المصحف اتبع فيه تسهيل اللفظ ، فكما سقطت الألف من اللفظ سقطت من الخط نحو سقوط الواو من قوله { سندع الزبانية }{[8964]} [ العلق : 18 ] ، لما سقطت من اللفظ ، وأما ترجيح القراءة في «ليكةَ » بفتح التاء في موضع الجر فلا يقتضيه ما في المصحف وهي قراءة ضعيفة ، ويدل على ضعفها أن سائر القرآن غير هذين الموضعين مجمع فيه على «الأيكة » بالهمزة والألف والخفض .


[8964]:في قوله تعالى في الآية 13: {وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب}.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كَذَّبَ أَصۡحَٰبُ لۡـَٔيۡكَةِ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (176)

استئنافُ تعدادٍ وتكرير كما تقدم في جملة : { كذبت عادٌ المرسلين } [ الشعراء : 123 ] . ولم يقرن فعل { كذب } هذا بعلامة التأنيث لأن { أصحاب } جمعُ صاحب وهو مذكر معنىً ولفظاً بخلاف قوله : { كذبت قوم لوط } [ الشعراء : 160 ] فإن ( قوم ) في معنى الجماعة والأمة كما تقدم في قوله : { كذبت قوم نوح المرسلين } [ الشعراء : 105 ] .

وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو جعفر { لَيْكَةَ } بلام مفتوحة بعدها ياء تحتية ساكنة ممنوعاً من الصرف للعلمية والتأنيث . وقرأه الباقون { الأيكة } بحرف التعريف بعده همزة مفتوحة وبجر آخره على أنه تعريف عهد لأَيكةٍ معروفة . والأيكة : الشجر الملتف وهي الغيضة . وعن أبي عبيد : رأيتها في الإمام مصحف عثمان رضي الله عنه في الحِجر وق { الأيكة } وفي الشعراء وص { لَيكة } واجتمعت مصاحف الأمصار كلها بعد ذلك ولم تختلف .

وأصحاب لَيكة : هم قوم شعيب أو قبيلة منهم . قالوا : وكانت غيضتهم من شجر المُقْل ( بضم الميم وسكون القاف وهو النبق ) ويقال له الدَّوم ( بفتح الدال المهملة وسكون الواو ) .

وإفرادها بتاء الوحدة على إرادة البقعة واسم الجمع : أيك ، واشتهرت بالأيكة فصارت علماً بالغلبة معرفاً باللام مثل العَقبة . ثم وقع فيه تغيير ليكون علماً شخصياً فحذفت الهمزة وألقيت حركتها على لام التعريف وتنوسي معنى التعريف باللام . وعن الزجاج : جاء في التفسير أن اسم المدينة التي أرسل إليها شعيب كان ليكة . وعن أبي عبيد : وجدنا في بعض كتب التفسير أن لَيْكة اسم القرية والأيكة البلاد كلها كمكة وبَكة . وهذا من التغيير لأجل التسمية ، كما سموا شُمْساً بضم الشين ليكون علماً وأصله الشمس علماً بالغلبة . والتغيير لأجل النقل إلى العلمية وارد بكثرة ، ذكره ابن جنّي في « شرح مشكل الحماسة » عند قول تأبط شراً :

إني لمُهْدٍ من ثنائي فقاصد *** به لابن عم الصدق شُمْس بن مالك

وذكره في « الكشاف » في سورة أبي لهب . وقد تقدم بيانه عند الكلام على البسملة قبل سورة الفاتحة ، فلما صار اسم ليكة علماً على البلاد جاز منعه من الصرف لذلك ، وليس ذلك لمجرد نقل حركة الهمزة على اللام كما توهمه النحّاس ، ولا لأن القراءة اغترار بخط المصحف كما تعسّفه صاحب « الكشاف » على عادته في الاستخفاف بتوهيم القراء ، وقد علمتم أن الاعتماد في القراءات على الرواية قبل نسخ المصاحف كما بيناه في المقدمة السادسة من مقدمات هذا التفسير فلا تتبعوا الأوهام المخطئة .

وقد اختلف في أن أصحاب ليكة هم مدين أو هم قوم آخرون ساكنون في ليكة جوار مدين أرسل شعيب إليهم وإلى أهل مدين . وإلى هذا مال كثير من المفسرين . روى عبد الله بن وهب عن جبير بن حازم عن قتادة قال : أُرسل شعيب إلى أمتين : إلى قومه من أهل مدين وإلى أصحاب الأيكة .

وقال جابر بن زيد : أرسل شعيب إلى قومه أهل مدين وإلى أهل البادية وهم أصحاب الأيكة . وفي « تفسير ابن كثير » : روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة شعيب عليه السلام من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة بسنده إلى عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن قوم مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيباً النبي " ، وقال ابن كثير : هذا غريب ، وفي رفعه نظر ، والأشبه أنه موقوف . وروى ابن جريج عن ابن عباس أن أصحاب الأيكة هم أهل مدين . والأظهر أن أهل الأيكة قبيلة غير مدين فإن مدين هم أهل نسب شعيب وهم ذرية مَدين بن إبراهيم من زوجه « قطورة » سكَن مدينُ في شرق بلد الخليل كما في التوراة ، فاقتضى ذلك أنه وجده بلَداً مأهولاً بقوم فهم إذن أصحاب الأيكة فبنى مدين وبنُوه المدينةَ وتركوا البادية لأهلها وهم سكان الغيضة .

والذي يشهد لذلك ويرجحه أن القرآن لمَّا ذكرَ هذه القصةَ لأهل مدين وصف شعيباً بأنه أخوهم ، ولما ذكرها لأصحاب ليكة لم يصف شعيباً بأنه أخوهم إذ لم يكن شعيب نسيباً ولا صهراً لأصحاب ليكة ، وهذا إيماء دقيق إلى هذه النكتة . ومما يرجح ذلك قوله تعالى في سورة الحجر ( 78 ، 79 ) { وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين فانتقمنا منهم وإنهما لبإمام مبين } ، فجعل ضميرهم مثنى باعتبار أنهم مجموع قبيلتين : مدين وأصحاب ليكة . وقد بيّنّا ذلك في سورة الحجر . وإنما تُرسل الرسل من أهل المدائن قال تعالى : { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً يُوحَى إليهم من أهل القرى } [ يوسف : 109 ] وتكون الرسالة شاملة لمن حول القرية .

وافتتح شعيب دعوته بمثل دعوات الرسل من قبله للوجه الذي قدمناه .