ثم بين - سبحانه أقسام الناس فى هذا اليوم فقال : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ .
ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ } أى : وجوه كثيرة فى هذا اليوم تكون مضيئة مشرقة ، يعلوها السرور ، والاستبشار والانشراح ، لما تراه من حسن استقبال الملائكة لهم .
وقوله : { وُجُوهٌ } مبتدأ وإن كان نكرة ، إلا أنه صح الابتداء به لكونه فى حيز التنويع و { مُّسْفِرَةٌ } خبره ، وقوله { يَوْمَئِذٍ } متعلق به ، والإِسفار : النور والضياء .
والمراد أن هذه الوجوه متهللة فرحا ، وعليها أثر النعيم .
أما القسم المقابل لهذا القسم ، فقد عبر عنه - سبحانه - بقوله : { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ }
ثم يأخذ في تصوير حال المؤمنين وحال الكافرين ، بعد تقويمهم ووزنهم بميزان الله هناك :
( وجوه يومئذ مسفرة . ضاحكة مستبشرة ) . .
فهذه وجوه مستنيرة منيرة متهللة ضاحكة مستبشرة ، راجية في ربها ، مطمئنة بما تستشعره من رضاه عنها . فهي تنجو من هول الصاخة المذهل لتتهلل وتستنير وتضحك وتستبشر . أو هي قد عرفت مصيرها ، وتبين لها مكانها ، فتهللت واستبشرت بعد الهول المذهل . .
وجملة : { وجوه يومئذٍ مسفرة } جواب ( إذا ) ، أي إذا جاءت الصاخة كان الناس صنفين صنف وجوههم مسفرة وصنف وجوههم مغبرة .
وقدم هنا ذكر وجوه أهل النعيم على وجوه أهل الجحيم خلافَ قوله في سورة النازعات ( 37 ) { فأما من طغى } ثم قوله : { وأما من خاف مقام ربه } [ النازعات : 40 ] إلى آخره لأن هذه السورة أقيمت على عماد التنويه بشأن رجل من أفاضل المؤمنين والتحقير لشأن عظيم من صناديد المشركين فكان حظ الفريقين مقصوداً مسوقاً إليه الكلام وكان حظ المؤمنين هو الملتفت إليه ابتداء ، وذلك من قوله : { وما يدريك لعله يزكى } [ عبس : 3 ] إلى آخره ، ثم قوله : { أما من استغنى فأنت له تصدى } [ عبس : 5 ، 6 ] .
وأما سورة النازعات فقد بُنِيت على تهديد المنكرين للبعث ابتداء من قوله : { يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة } [ النازعات : 6 8 ] فكان السياق للتهديد والوعيد وتهويل ما يلقونه يوم الحشر ، وأما ذكر حظ المؤمنين يومئذ فقد دعا إلى ذكره الاستطراد على عادة القرآن من تعقيب الترهيب بالترغيب .
وتنكير { وجوه } الأول والثاني للتنويع ، وذلك مسوغ وقوعهما مبتدأ .
وإعادة { يومئذ } لتأكيد الربط بين الشرط وجوابه ولطول الفصل بينهما والتقدير : وجوه مسفرة يوم يفرّ المرء من أخيه إلى آخره .
وقد أغنت إعادة { يومئذ } عن ربط الجواب بالفاء .
والمسفرة ذات الإسفار ، والإِسفار النور والضياء ، يقال : أسفر الصبح ، إذا ظهر ضوء الشمس في أفق الفجر ، أي وجوه متهللة فرحاً وعليها أثر النعيم .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وجوه يومئذٍ مشرقة مضيئة، وهي وجوه المؤمنين الذين قد رضي الله عنهم. يقال: أسفر وجه فلان: إذا حَسُن، ومنه أسفر الصبح: إذا أضاء، وكلّ مضيء فهو مُسْفِر...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي مضيئة أو ناضرة ناعمة مشرقة. فيكون فيه إخبار عما هم من النعيم حتى يظهر ذلك في وجوههم...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ثم قسم تعالى أحوال العصاة والمؤمنين، فقال (وجوه يومئذ مسفرة) أي مكشوفة مضيئة، فالإسفار: الكشف عن ضياء...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم ذكر تعالى اختلاف الوجوه من المؤمنين الواثقين برحمة الله حين بدت لهم تباشيرها من الكفار، و {مسفرة}: معناه: نيرة باد ضوؤها وسرورها...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما ذكر اليوم، قسم أهله إلى القسمين المقصودين بالتذكرة أول السورة، فقال دالاًّ على البواطن بأشرف الظواهر: {وجوه يومئذ} أي إذ كان ما تقدم من الفرار وغيره {مسفرة} أي بيض مضيئة بالإشراق والاستنارة،...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فهذه وجوه مستنيرة منيرة متهللة ضاحكة مستبشرة، راجية في ربها، مطمئنة بما تستشعره من رضاه عنها. فهي تنجو من هول الصاخة المذهل لتتهلل وتستنير وتضحك وتستبشر. أو هي قد عرفت مصيرها، وتبين لها مكانها، فتهللت واستبشرت بعد الهول المذهل...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وجملة: {وجوه يومئذٍ مسفرة} جواب (إذا)، أي إذا جاءت الصاخة كان الناس صنفين صنف وجوههم مسفرة وصنف وجوههم مغبرة. وقدم هنا ذكر وجوه أهل النعيم على وجوه أهل الجحيم خلافَ قوله في سورة النازعات (37) {فأما من طغى} ثم قوله: {وأما من خاف مقام ربه} [النازعات: 40] إلى آخره لأن هذه السورة أقيمت على عماد التنويه بشأن رجل من أفاضل المؤمنين والتحقير لشأن عظيم من صناديد المشركين فكان حظ الفريقين مقصوداً مسوقاً إليه الكلام وكان حظ المؤمنين هو الملتفت إليه ابتداء، وذلك من قوله: {وما يدريك لعله يزكى} [عبس: 3] إلى آخره، ثم قوله: {أما من استغنى فأنت له تصدى} [عبس: 5، 6]. وأما سورة النازعات فقد بُنِيت على تهديد المنكرين للبعث ابتداء من قوله: {يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة} [النازعات: 6 8] فكان السياق للتهديد والوعيد وتهويل ما يلقونه يوم الحشر، وأما ذكر حظ المؤمنين يومئذ فقد دعا إلى ذكره الاستطراد على عادة القرآن من تعقيب الترهيب بالترغيب...
وإعادة {يومئذ} لتأكيد الربط بين الشرط وجوابه ولطول الفصل بينهما والتقدير: وجوه مسفرة يوم يفرّ المرء من أخيه إلى آخره. وقد أغنت إعادة {يومئذ} عن ربط الجواب بالفاء...