{ وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا } أي : فليعلم أن توبته في غاية الكمال لأنها رجوع إلى الطريق الموصل إلى الله الذي هو عين سعادة العبد وفلاحه فليخلص فيها وليخلصها من شوائب الأغراض الفاسدة ، فالمقصود من هذا الحث على تكميل التوبة وإيقاعها على أفضل الوجوه وأجلها ليقدم على من تاب إليه فيوفيه{[581]} أجره بحسب كمالها .
ثم أشار - سبحانه - إلى شروط التوبة الصادقة فقال : { وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى الله مَتاباً } .
أى : ومن تاب عن المعاصى تركا تاما ، وداوم على العمل الصالح ليستدرك ما فاته منه ، فإنه فى هذه الحالة يكون قد تاب ورجع إلى الله - تعالى - رجوعا صحيحا ، مقبولا منه - سبحانه - بحيث يترتب عليه محو العقاب وإثبات الثواب .
وهكذا نجد رحمة الله - تعالى - تحيط بالعبد من كل جوانبه ، لكى تحمله على ولوج باب التوبة والطاعة ، وتوصد فى وجهه باب الفسوق والعصيان .
وباب التوبة دائما مفتوح ، يدخل منه كل من استيقظ ضميره ، وأراد العودة والمآب . لا يصد عنه قاصد ، ولا يغلق في وجه لاجى ء ، أيا كان ، وأيا ما ارتكب من الآثام .
روى الطبراني من حديث أبي المغيرة عن صفوان بن عمر عن عبد الرحمن بن جبير عن أبي فروة ، أنه أتى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فقال : أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها ولم يترك حاجة ولا داجة ، فهل له من توبة ? فقال : " أسلمت ? " فقال : نعم . قال : " فافعل الخيرات واترك السيئات ، فيجعلها الله لك خيرات كلها " قال : وغدراتي وفجراتي ? قال : " نعم " . فما زال يكبر حتى توارى .
ويضع قاعدة التوبة وشرطها : ( ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ) . . فالتوبة تبدأ بالندم والإقلاع عن المعصية ، وتنتهي بالعمل الصالح الذي يثبت أن التوبة صحيحة وأنها جدية . وهو في الوقت ذاته ينشئ التعويض الإيجابي في النفس للإقلاع عن المعصية . فالمعصية عمل وحركة ، يجب ملء فراغه بعمل مضاد وحركة ، وإلا حنت النفس إلى الخطيئة بتأثير الفراغ الذي تحسه بعد الإقلاع . وهذه لمحة في منهج التربية القرآني عجيبة ، تقوم على خبرة بالنفس الإنسانية عميقة . ومن أخبر من الخالق بما خلق ? سبحانه تعالى !
ثم قال تعالى مخبرًا عن عموم رحمته بعباده{[21653]} وأنه من تاب إليه منهم تاب عليه من أي ذنب كان ، جليل أو حقير ، كبير أو صغير : فقال { وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا } أي : فإن الله يقبل{[21654]} توبته ، كما قال تعالى : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا } [ النساء : 110 ] ، وقال { أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [ التوبة : 104 ] ، وقال { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [ الزمر : 53 ] ، أي : لمن تاب إليه .
{ ومن تاب } عن المعاصي بتركها والندم عليها . { وعمل صالحا } يتلافى به ما فرط ، أو خرج عن المعاصي ودخل في الطاعة . { فإنه يتوب إلى الله } يرجع إلى الله بذلك . { متابا } مرضيا عند الله ماحيا للعقاب محصلا للثواب ، أو يتوب متابا إلى الله الذي يحب التائبين ويصطنع بهم ؛ أو فإنه يرجع إلى الله وإلى ثوابه مرجعا حسنا وهو تعميم بعد تخصيص .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.