وكانوا ينكرون البعث ، فيقولون استبعادا لوقوعه : { أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ } أي : كيف نبعث بعد موتنا وقد بلينا ، فكنا ترابا وعظاما ؟ [ هذا من المحال ] { أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ } قال تعالى جوابا لهم وردا عليهم{[968]} :
ثم حكى - سبحانه - لونا من أقوالهم الباطلة ، وحججهم الداحضة فقال : { وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَ آبَآؤُنَا الأولون } .
أى : أنهم فوق ترفهم وإصرارهم على ارتكاب الآثام كانوا يقولون - على سبيل الإنكار - لمن نصحهم باتباع الحق : أئذا متنا ، وانتهت حياتنا ووضعنا فى القبور ، وصرنا ترابا وعظاما ، أئنا لمبعوثون ومعادون إلى الحياة مرة أخرى ؟ وهل آباؤنا الأولون الذين صاروا من قبلنا عظاما ورفاتا يبعثون - أيضا - ؟
ولا شك أن قولهم هذا دليل على انطماس بصائرهم ، وعلى شدة غفلتهم عن آثار قدرة الله - تعالى - التى لا يعجزها شىء ، والتى من آثارها إيجادهم من العدم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَآؤُنَا الأوّلُونَ * قُلْ إِنّ الأوّلِينَ وَالاَخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَىَ مِيقَاتِ يَوْمٍ مّعْلُومٍ } .
يقول تعالى ذكره : وكانوا يقولون كفرا منهم بالبعث ، وإنكارا لإحياء الله خلقه من بعد مماتهم : أئذا كنا ترابا في قبورنا من بعد مماتنا ، وعظاما نخرة ، أئنا لمبعوثون منها أحياء كما كنا قبل الممات ، أو آباؤنا الأوّلون الذين كانوا قبلنا ، وهم الأوّلون ، يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء إن الأوّلين من آبائكم والاَخرين منكم ومن غيركم ، لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ، وذلك يوم القيامة .
والمراد من قوله : { وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا تراباً } الخ أنهم كانوا يعتقدون استحالة البعث بعد تلك الحالة . ويناظرون في ذلك بأن القول ذلك يستلزم أنهم يعتقدون استحالة البعث .
والاستفهام إنكاري كناية عن الإحالة والاستبعاد ، وتقدم نظير : { أإذا متنا وكنا تراباً } الخ في سورة الصافات .
وقرأ الجمهور { أإذا متنا } بإثبات الاستفهام الأول والثاني ، أي إذا متنا أإنا . وقرأه نافع والكسائي وأبو جعفر بالاستفهام في { أإذا متنا } والإِخبار في { إنّا لمبعوثون } .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وكانوا} مع شركهم {يقولون} في الدنيا {أئذا متنا وكنا ترابا وعظما أئنا لمبعوثون}
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وكانوا يقولون كفرا منهم بالبعث، وإنكارا لإحياء الله خلقه من بعد مماتهم: أئذا كنا ترابا في قبورنا من بعد مماتنا، وعظاما نخرة، أئنا لمبعوثون منها أحياء كما كنا قبل الممات، أو آباؤنا الأوّلون الذين كانوا قبلنا، وهم الأوّلون، يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء إن الأوّلين من آبائكم والآخرين منكم ومن غيركم، لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم، وذلك يوم القيامة...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قالوا هذا على الاستهزاء والاستبعاد للبعث...
{وكانوا يصرون على الحنث العظيم} فيه مبالغات من وجوه؛
(أحدها) قوله تعالى: {كانوا يصرون} وهو آكد من قول القائل: إنهم قبل ذلك أصروا لأن اجتماع لفظي الماضي والمستقبل يدل على الاستمرار، لأن قولنا: فلان كان يحسن إلى الناس، يفيد كون ذلك عادة له.
(ثانيها) لفظ الإصرار فإن الإصرار مداومة المعصية والغلول، ولا يقال: في الخير أصر.
(ثالثها) الحنث فإنه فوق الذنب فإن الحنث لا يكاد في اللغة يقع على الصغيرة والذنب يقع عليها، وأما الحنث في اليمين فاستعملوه لأن نفس الكذب عند العقلاء قبيح... {العظيم} هذا يفيد أن المراد الشرك، فإن هذه الأمور لا تجتمع في غيره.
... المسألة السادسة: كيف أتى باللام المؤكدة في قوله: {لمبعوثون} مع أن المراد هو النفي...
أنهم أرادوا تكذيب من يخبر عن البعث فذكروا أن المخبر عنه يبالغ في الإخبار ونحن نستكثر مبالغته وتأكيده فحكوا كلامهم على طريقة الاستفهام بمعنى الإنكار، ثم إنهم أشاروا في الإنكار إلى أمور اعتقدوها مقررة لصحة إنكارهم فقالوا أولا: {أئذا متنا} ولم يقتصروا عليه بل قالوا بعده: {وكنا ترابا وعظاما} أي فطال عهدنا بعد كوننا أمواتا حتى صارت اللحوم ترابا والعظام رفاتا، ثم زادوا وقالوا: مع هذا يقال لنا: {إنكم لمبعوثون} بطريق التأكيد من ثلاثة أوجه (أحدها) استعمال كلمة إن (ثانيها) إثبات اللام في خبرها (ثالثها) ترك صيغة الاستقبال، والإتيان بالمفعول كأنه كائن، فقالوا لنا: {إنكم لمبعوثون}...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
. (وكانوا يقولون: أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون؟ أو آباؤنا الأولون؟) كانوا... هكذا يعبر القرآن، كأنما الدنيا التي فيها المخاطبون قد طويت وانتهت فإذا هي ماض. والحاضر هو هذا المشهد وهذا العذاب! ذلك أن الدنيا كلها ومضة. وهذا الحاضر هو العقبى والمآب...