{ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ } أي : لا يصدر منك إلى السائل كلام{[1452]} يقتضي رده عن مطلوبه ، بنهر وشراسة خلق ، بل أعطه ما تيسر عندك أو رده بمعروف [ وإحسان ] .
وهذا يدخل فيه السائل للمال ، والسائل للعلم ، ولهذا كان المعلم مأمورًا بحسن الخلق مع المتعلم ، ومباشرته بالإكرام والتحنن عليه ، فإن في ذلك معونة له على مقصده ، وإكرامًا لمن كان يسعى في نفع العباد والبلاد .
وقوله - سبحانه - : { وَأَمَّا السآئل فَلاَ تَنْهَرْ } معطوف على ما قبله . أى : وكما أننا قد هديناك بعد حيرة . . فاشكر نعمنا على ذلك ، بأن تفتح صدرك للسائل الذى يسألك العون ، أو يسألك معرفة ما يجهله من علم . فالمراد بالسائل ، ما يشمل كل سائل عن مال ، أو عن علم ، أو عن غير ذلك من شئون الحياة .
قال القرطبى : قوله : { وَأَمَّا السآئل فَلاَ تَنْهَرْ } أى : لا تزجره ، فهو نهى عن إغلاظ القول . . وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ردوا السائل ببذل يسير ، أو رد جميل . . "
وفى حديث أبى هارون العبدى قال : كنا إذا أتينا أبا سعيد الخدرى يقول : مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن رسول الله قال : " إن الناس لكم تبع ، وإن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون ، فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا
وإلى إغناء السائل مع الرفق به والكرامة ، كانت - كما ذكرنا مرارا - من أهم إيحاءات الواقع في البيئة الجاحدة المتكالبة ، التي لا ترعى حق ضعيف ، غير قادر على حماية حقه بسيفه ! حيث رفع الإسلام هذه البيئة بشرعة الله إلى الحق والعدل ، والتحرج والتقوى ، والوقوف عند حدود الله ، الذي يحرس حدوده ويغار عليها ويغضب للاعتداء على حقوق عباده الضعفاف الذين لا يملكون قوة ولا سيفا يذودون به عن هذه الحقوق .
وكما عدد الله عليه هذه النعم الثلاث وصاه بثلاث وصايا في كل نعمة وصية مناسبة لها ، فبإزاء قوله { ألم يجدك يتيماً فآوى } قوله { فأما اليتيم فلا تقهر } ، وبإزاء قوله { ووجدك ضالاً فهدى } قوله { وأما السائل فلا تنهر } ، هذا عليه قول من قال إن { السائل } هنا هو السائل عن العلم والدين وليس بسائل المال ، وهو قول أبي الدرداء والحسن وغيره ، وبإزاء قوله { ووجدك عائلاً فأغنى } قوله { وأما بنعمة ربك فحدث } ومن قال إن { السائل } هو سائل المحتاج وهو قول الفراء عن جماعة ، ومعنى { فلا تنهر } جعلها بإزاء قوله { ووجدك عائلاً فأغنى } ، وجعل قوله { وأما بنعمة ربك فحدث } بإزاء قوله { ووجدك ضالاً فهدى } ، وقال إبراهيم بن أدهم نعم القول السؤال يجملون زادنا إلى الآخرة ، { فلا تنهر } معناه : فرد رداً جميلاً إما بعطاء وإما بقول حسن ، وفي مصحف ابن مسعود «ووجدك عديماً فأغنى » ، وقرأ ابن مسعود والشعبي وإبراهيم التيمي ، «فأما اليتيم فلا تكهر » بالكاف ، قال الأخفش هي بمعنى القهر ، ومنه قول الأعرابي : وقاكم الله سطوة القادر وملكة الكاهر ، وقال أبو حاتم لا أظنها بمعنى القهر لأنه قد قال الأعرابي الذي بال في المسجد : فأكهرني النبي صلى الله عليه وسلم فإنها هي بمعنى الإشهار .
والتعريف في { السائل } تعريف الجنس فيعم كل سائل ، أي عمّا يُسال النبي صلى الله عليه وسلم عن مثله .
فإن فسر { السائل } بسائل معروف كان مقابل قوله : { ووجدك عائلاً فأغنى } [ الضحى : 8 ] وكان من النشر المشوش ، أي المخالف لترتيب اللف ، وهو ما درج عليه « الكشاف » .
والنهر : الزجر بالقول مثل أن يقول : إليك عني . ويستفاد من النهي عن القهر والنهر النهي عما هو أشد منهما في الأذى كالشتم والضرب والاستيلاء على المال وتركه محتاجاً وليس من النهر نهي السائل عن مخالفة آداب السؤال في الإِسلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.