مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلَا تَنۡهَرۡ} (10)

قوله تعالى : { وأما السائل فلا تنهر } يقال : نهره وانتهره إذا استقبله بكلام يزجره ، وفي المراد من السائل قولان : ( أحدهما ) وهو اختيار الحسن أن المراد منه من يسأل العلم ونظيره من وجه : { عبس وتولى أن جاءه الأعمى } وحينئذ يحصل الترتيب ، لأنه تعالى قال له أولا : { ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى } ثم اعتبر هذا الترتيب ، فأوصاه برعاية حق اليتيم ، ثم برعاية حق من يسأله عن العلم والهداية ، ثم أوصاه بشكر نعم الله عليه ( والقول الثاني ) : أن المراد مطلق السائل ولقد عاتب الله رسوله في القرآن في شأن الفقراء في ثلاثة مواضع ( أحدها ) : أنه كان جالسا وحوله صناديد قريش ، إذ جاء ابن أم مكتوم الضرير ، فتخطى رقاب الناس حتى جلس بين يديه ، وقال : علمني مما علمك الله ، فشق ذلك عليه فعبس وجهه فنزل { عبس وتولى } ( والثاني ) : حين قالت له قريش : لو جعلت لنا مجلسا وللفقراء مجلسا آخر فهم أن يفعل ذلك فنزل قوله : { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم } ( والثالث ) : كان جالسا فجاءه عثمان بعذق من ثمر فوضعه بين يديه فأراد أن يأكل فوقف سائل بالباب ، فقال : رحم الله عبدا يرحمنا ، فأمر بدفعه إلى السائل فكره عثمان ذلك ، وأراد أن يأكله النبي عليه السلام فخرج واشتراه من السائل ، ثم رجع السائل ففعل ذلك ثلاث مرات ، وكان يعطيه النبي عليه السلام إلى أن قال له النبي صلى الله عليه وسلم : «أسائل أنت أم بائع ؟ » فنزل : { وأما السائل فلا تنهر } .