القول في تأويل قوله تعالى : { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } .
يقول تعالى ذكره : فرح هؤلاء المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله ، فليضحكوا فرحين قليلاً في هذه الدنيا الفانية بمقعدهم خلاف رسول الله ولهوهم عن طاعة ربهم ، فإنهم سيبكون طويلاً في جهنم مكان ضحكهم القليل في الدنيا جَزَاءً يقول : ثوابا منالهم على معصيتهم بتركهم النفر إذ استنفروا إلى عدوّهم وقعودهم في منازلهم خلاف رسول الله . بِمَا كانُوا يَكْسِبُونَ يقول : بِما كانوا يجترحون من الذنوب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل ، عن أبي رزين : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرا قال : يقول الله تبارك وتعالى : الدنيا قليل ، فليضحكوا فيها ما شاءوا ، فإذا صاروا إلى الاَخرة بكوا بكاءً لا ينقطع ، فذلك الكثير .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن منصور ، عن أبي رزين ، عن الربيع بن خثيم : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً قال : في الدنيا ، وَلْيَبْكُوا كَثِيرا قال : في الاَخرة .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ويحيى ، قالا : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين ، في قوله : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرا قال : في الاَخرة .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن منصو ، عن أبي رزين ، أنه قال في هذه الآية : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرا قال : ليضحكوا في الدنيا قليلاً ، وليبكوا في النار كثيرا ، وقال في هذه الآية : وَإذا لا تُمَتّعُونَ إلاّ قَلِيلاً قال : أجلهم أحد هذين الحديثين رفعه إلى ربيع بن خثيم .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً قال : ليضحكوا قليلاً في الدنيا ، وَلْيَبْكُوا كَثِيرا في الاَخرة في نار جهنم ، جَزَاءً بِمَا كانُوا يَكْسِبُونَ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً : أي في الدنيا ، وَلْيَبْكُوا كَثِيرا : أي في النار . ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، قال : «وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ تَعْلَمُونَ ما أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرا » ذُكر لنا أنه نودي عند ذلك ، أو قيل له : لا تُقْنِط عبادي
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن أبي رزين ، عن الربيع بن خثيم فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً قال : في الدنيا ، وَلْيَبْكُوا كَثِيرا قال : في الاَخرة .
قال : حدثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل بن سميع ، عن أبي رزين : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً قال : في الدنيا فإذا صاروا إلى الاَخرة بكوا بكاءً لا ينقطع ، فذلك الكثير .
حدثنا عليّ بن داود ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيرا قال : هم المنافقون والكفار الذين اتخذوا دينهم هزوا ولَعبا يقول الله تبارك وتعالى : فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً في الدنيا ، وَلْيَبْكُوا كَثِيرا في النار .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَلْيَضْحَكُوا في الدنيا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا يوم القيامة كَثِيرا . وقال : إنّ الّذِينَ أجْرَمُوا كانُوا مِنَ الّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ حتى بلغ : هَلْ ثُوّبَ الكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ .
وقال ابن عباس وأبو رزين والربيع بن خيثم وقتادة وابن زيد قوله { فليضحكوا قليلاً } إشارة إلى مدة العمر في الدنيا ، وقوله { وليبكوا كثيراً } إِشارة إلى تأبيد الخلود في النار ، فجاء بلفظ الأمر ومعناه الخبر عن حالهم ، ويحتمل أن يكون صفة حالهم أي هم لما هم عليه من الخطر مع الله ، وسوء الحال بحيث ينبغي أن يكون ضحكهم قليلاً وبكاؤهم من أجل ذلك كثيراً ، وهذا يقتضي أن يكون وقت الضحك والبكاء في الدنيا على نحو قوله صلى الله عليه وسلم ، لأمته
«لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً »{[5815]} .
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما قال هذا الكلام أوحى الله إليه يا محمد لا تقنط عبادي ، و { جزاء } متعلق بالمعنى الذي تقديره { وليبكوا كثيراً } إذ هم معذبون { جزاء } ، وقوله : { يكسبون } نص في أن التكسب هو الذي يتعلق به العقاب والثواب .
تفريع كلام على الكلام السابق مِن ذِكر فَرحهم ، ومِن إفادة قوله : { قل نار جهنم أشد حراً } [ التوبة : 81 ] من التعريض بأنّهم أهلها وصائرون إليها .
والضحك هنا كناية عن الفرح أو أريد ضحكهم فرحاً لاعتقادهم ترويج حيلتهم على النبي صلى الله عليه وسلم إذْ أذن لهم بالتّخلّف .
والبكاء : كناية عن حزنهم في الآخرة فالأمر بالضحك وبالبكاء مستعمل في الإخبار بحصولهما قطعاً إذ جعلا من أمر الله أو هو أمر تكوين مثل قوله : { فقال لهم الله موتوا } [ البقرة : 243 ] والمعنى أنّ فرحهم زائل وأنّ بكاءهم دائم .
والضحك : كيفية في الفم تتمدّد منها الشفتان وربّما أسفرتا عن الأسنان وهي كيفية تعرض عند السرور والتعجّب من الحُسن .
والبكاءُ : كيفية في الوجه والعينين تنقبض بها الوجنتان والأسارير والأنف . ويسيل الدمع من العينين ، وذلك يعرض عند الحزن والعجز عن مقاومة الغلب .
وقوله : { جزاء بما كانوا يكسبون } حال من ضميرهم ، أي جزاء لهم ، والمجعول جزاء هو البكاء المعاقب للضحك القليل لأنّه سلب نعمة بنقمة عظيمة .
وما كانوا يكسبون هو أعمال نفاقهم ، واختير الموصول في التعبير عنه لأنّه أشمل مع الإيجاز .
وفي ذكر فعل الكَون ، وصيغة المضارع في { يكسبون } ما تقدّم في قوله : { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } [ التوبة : 70 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.