المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن يَخۡسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ يَأۡتِيَهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ} (45)

45- فكيف يصح بعد كل هذا أن يتمادى المشركون في عنادهم ، ويدبروا المكائد للرسول ؟ هل أغراهم حلم الله بهم فاعتقدوا أنهم في مأمن من عذاب الله ، فلا يخسف بهم الأرض كما فعل بقارون ؟ أو يأتيهم العذاب فجأة بصاعقة كما فعل بثمود وهم لا يدرون أين نزل .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن يَخۡسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ يَأۡتِيَهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ} (45)

قال الآلوسى ما ملخص : قوله - تعالى - { أَفَأَمِنَ الذين مَكَرُواْ السيئات } هم عند أكثر المفسرين ، مشركو مكة ، الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وراموا صد أصحابه عن الإِيمان .

وقيل : هم الذين احتالوا لهلاك الأنبياء . . . والمعول عليه ما عليه أكثر المفسرين ، .

والاستفهام فى الآية الكريمة للتعجيب والتوبيخ .

والفاء للعطف على مقدر دل عليه المقام .

قال بعضهم ما ملخصه : " كل ما جاء فى القرآن الكريم ، من همزة استفهام بعدها واو العطف أو فاؤه . فالأظهر فيه ، أن الفاء والواو كلتاهما عاطفة ما بعدها على محذوف دل عليه المقام . والتقدير هنا : أجهل الذين مكروا السيئات وعيد الله لهم بالعقاب ، فأمنوا مكره " .

والمراد بمكرهم هنا : سعيهم بالفساد بين المؤمنين ، على سبيل الإِخفاء والخداع .

والسيئات : صفة لمصدر محذوف ، أى : مكروا المكرات السيئات . والمكرات - بفتح الكاف - جمع مكرة - بسكونها - وهى المرة من المكر .

ويجوز أن تكون كلمة السيئات مفعولا به بتضمين { مكروا } معنى : فعلوا .

والخسف : التغييب فى الأرض ، بحيث يصير المخسوف به فى باطنها .

يقال : خسف الله بفلان الأرض ، إذا أهلكه بتغييبه فيها .

ومنه قوله - تعالى - : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض . . . . } والمعنى : أجهل الذين اجترحوا السيئات وعيدنا ، فأمنوا عقابنا وتوهموا أنهم لن يصيبهم شئ من عذابنا ، الذى من مظاهره خسف الأرض بهم كما خسفناها بقارون من قبلهم ؟ ! ! ! .

إن جهلهم هذا لدليل على انطماس بصيرتهم ، واستحواذ الشيطان عليهم .

وقوله { أَوْ يَأْتِيَهُمُ العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } بيان للون آخر من ألوان تهديدهم .

أى : فى قدرتنا أن نخسف بهم الأرض ، وفى قدرتنا أيضا أن نرسل عليهم العذاب فجأة فيأتيهم من جهة لا يتوقعون مجيئه منها ، ولا يترقبون الشر من ناحيتها .

وفى الجملة الكريمة إشارة إى أن هذا العذاب الذى يأتيهم من حيث لا يشعرون . عذاب لا يمكن دفعه أو الهرب منه ، لأنه أتاهم بغتة ، ومن جهة لا يترقبون الشر منها .

وشبيه بهذا قوله - سبحانه - { فَأَتَاهُمُ الله مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ . . . }

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَفَأَمِنَ ٱلَّذِينَ مَكَرُواْ ٱلسَّيِّـَٔاتِ أَن يَخۡسِفَ ٱللَّهُ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضَ أَوۡ يَأۡتِيَهُمُ ٱلۡعَذَابُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَشۡعُرُونَ} (45)

بعد أن ذُكرت مساويهم ومكائدهم وبعد تهديدهم بعذاب يوم البعث تصريحاً وبعذاب الدنيا تعريضاً ، فُرع على ذلك تهديدهم الصريح بعذاب الدنيا بطريق استفهام التعجيب من استرسالهم في المعاندة غير مقدّرين أن يقع ما يهدّدهم به الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يقلعون عن تدبير المكر بالنبي صلى الله عليه وسلم فكانت حالهم في استرسالهم كحال من هم آمنون بأس الله . فالاستفهام مستعمل في التعجيب المشوب بالتوبيخ .

و { الذين مكروا } : هم المشركون .

والمكر تقدم في قوله تعالى : { قد مكر الذين من قبلهم في هذه السورة .

وقوله تعالى : { السيئات } صفة لمصدر { مكروا } محذوفاً يقدّر مناسباً لتأنيث صفته . فالتقدير : مكروا المكرات السيئات ، كما وصف المكر بالسيِّىء في قوله تعالى : { ولا يحيق المكر السيّىء إلا بأهله } [ سورة فاطر : 43 ] . والتأنيث في مثل هذا يقصد منه الدلالة على معنى الخصلة أو الفَعْلة ، كالغدرة للغدر .

ويجوز أن يضمن مكروا } معنى ( اقترفوا ) فانتصب { السيئات } على المفعولية به . ويجوز أن يكون منصوباً على نزع الخافض وهو باء الجرّ التي معناها الآلة .

والخسف : زلزال شديد تنشقّ به الأرض فتحدث بانشقاقها هوّة عظيمة تسقط فيها الديار والناس ، ثم تنغلق الأرض على ما دخل فيها . وقد أصاب ذلك أهلَ بابل ، ومكانهم يسمّى خسف بابل . وأصاب قومَ لوط إذ جعل الله عاليها سافلها . وبلادهم مخسوفة اليوم في بُحيرة لوط من فلسطين .

وخسف من باب ضرب . ويستعمل قاصراً ومتعدّياً . يقال : خسفت الأرضُ ، ويقال : خسف الله الأرض ، قال تعالى : { فخسفنا به وبداره الأرض } [ سورة القصص : 81 ] ، ولا يتعدّى إلى ما زاد على المفعول إلا بحرف التعدية ، والأكثر أن يعدّى بالباء كما هنا وقوله تعالى : { فخسفنا به وبداره الأرض } ، أي جعلناها خاسفة به ، فالباء للتعديّة ، كما يقال : ذهب به .

و { العذاب } يعمّ كل ما فيه تأليم يستمرّ زمناً ، فلذلك عطف على الخسف . وإتيان العذاب إليهم : إصابته إياهم . شبّه ذلك بالإتيان .

و { من حيث لا يشعرون } من مكان لا يترقّبون أن يأتيهم منه ضرّ . فمعنى { من حيث لا يشعرون } أنه يأتيهم بغتة لا يستطيعون دفعه ، لأنهم لبأسهم ومنعتهم لا يبغتهم ما يحذرونه إذ قد أعدّوا له عدّته ، فكانَ الآتي من حيث لا يشعرون عذاباً غير معهود . فوقع قوله : { من حيث لا يشعرون } كناية عن عذاب لا يطيقون دفعه بحسب اللزوم العرفي ، وإلا فقد جاء العذاب عاداً من مكان يشعرون به ، قال تعالى : { فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا } [ سورة الأحقاف : 24 ] . وحلّ بقوم نوح عذاب الطوفان وهم ينظرون ، وكذلك عذاب الغَرَق لفرعون وقومه .