ثم توعدهم - سبحانه - على كذبهم وجحودهم فقال – تعالى : { فَمَنِ افترى عَلَى الله الكذب مِن بَعْدِ ذَلِكَ فأولئك هُمُ الظالمون } .
افترى : من الافتراء وهو اختلاق الكذب ، وأصلى من فرى الأيم إذا قطعه ؛ لأن الكاذب يقطع القول من غير حقيقة له فى الوجود .
أى : فمن تعمد الكذب على الله - تعالى - بأن زعم بأن ما حرمته التوراة على بنى إسرائيل من المطاعم بسبب ظلمهم وبغيهم ، كان محرما عليهم وعلى غيرهم قبل نزولها ، فأولئك الذين قالوا هذا القول الكاذب هم المتناهون فى الظلم : المتجاوزون للحدود التى شرعها الله - تعالى - ، وسيعاقبهم - سبحانه - على هذا الظلم والافتراء عذاباً أليما لا مهرب لهم منه ولا نصير .
والفاء فى قوله { مَنِ } يحتمل أن تكون شرطية وأن تكون موصولة ، وقد روعى فى الآية الكريمة لفظها ومعناها .
وقوله { مِن بَعْدِ ذَلِكَ } متعلق بافترى ، واسم الإشارة ذلك يعود إلى أمرهم بإحضار التوراة وما يترتب عليه من قيام الحجة وظهور البينة .
واسم الإشارة " أولئك " يعود إلى " من " وهو عبارة عن هؤلاء اليهود الذين جادلوا النبى صلى الله عليه وسلم بالباطل وافتروا على الله الكذب .
ويحتمل أن يكون المشار إليه وهو { مَنِ } عاما لكل كاذب ويدخل فيه اليهود دخولا أوليا .
وقد أكد الله - تعالى - وصفهم بالظلم بضمير الفصل الدال على أنهم كاملون فيه ، وموغلون فى اقترافه والتمسك به .
قوله : { فمن أفترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون } نهاية لتسجيل كذبهم أي من استمرّ على الكذب على الله ، أي فمن افترى منكم بعد أن جعلنا التَّوراة فيصلاً بيننا ، إذ لم يبق لهم ما يستطيعون أن يدّعُوه شُبهة لهم في الاختلاق ، وجُعل الافتراء على الله لتعلّقه بدين الله . والفاء للتفريع على الأمْر .
والافتراء : الكذب ، وهو مرادف الاختلاق . والافتراء مأخوذ من الفَرْي ، وهو قطع الجلد قِطعاً ليُصلح به مثل أن يحْذى النعل ويصنع النطع أو القِربة . وافترى افتعال من فرى لعلّهُ لإفادة المبالغة في الفَرْي ، يقال : افترى الجلد كأنَّه اشتدّ في تقطيعه أو قطعَه تقطيع إفساد ، وهو أكثر إطلاق افترى . فأطلقوا على الإخبار عن شيء بأنّه وقَعَ ولَم يقع اسم الافتراء بمعنى الكذب ، كأنّ أصله كناية عن الكذب وتلميح ، وشاع ذلك حتَّى صار مرادفاً للكذب ، ونظيره إطلاق اسم الاختلاق على الكذب ، فالافتراء مرادف للكذب ، وإردَافه بقوله هنا : « الكذب » تأكيد للافتراء ، وتكرّرت نظائر هذا الإرداف في آيات كثيرة .
فانتصب « الكذب » على المفعول المطلق الموكِّد لفعله . واللام في الكذب لتعريف الجنس فهو كقوله : { أفْتَرَى على اللَّه كَذِباً أمْ به جِنّة } [ سبأ : 8 ]
والكذب : الخبر المخالف لما هو حاصل في نفس الأمر من غير نظر إلى كون الخَبر موافقاً لاعتقاد المُخبر أو هو على خلاف ما يعتقده ، ولكنّه إذا اجتمع في الخبر المخالفة للواقع والمخالفة لاعتقاد المخبِر كان ذلك مذموماً ومسبَّة ؛ وإن كان معتقداً وقوعه لشبهة أو سوء تأمّل فهو مذموم ولكنّه لا يُحقَّر المخبر به ، والأكثر في كلام العرب أن يعنى بالكذب ما هو مذموم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.