البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَمَنِ ٱفۡتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ مِنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (94)

{ فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظالمون } يحتمل أن يكون مندرجاً تحت القول ، ويحتمل أنْ يكون ابتداءَ إخبارٍ من الله بذلك ، وافتراؤه الكذب هو زعمه أن ذلك كان محرماً على بني إسرائيل قبل إنزال التوراة ، والإشارة بذلك قيل يحتمل ثلاثة أوجه .

أحدها : أن يكون إلى التلاوة ، إذ مضمنها بيان مذهبهم وقيام الحجة البالغة القاطعة ، ويكونُ افتراء الكذب أنْ يُنسب إلى كتب الله ما ليس فيها .

والثاني : أنْ يكون إلى استقرار التحريم في التوراة ، إذ المعنى : إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه ، ثم حرمته التوراة عليهم عقوبة لهم .

وافتراء الكذب أنْ يزيد في المحرمات ما ليس فيها .

والثالث : أنْ يكون إلى الحال بعد تحريم إسرائيل على نفسه وقبل نزول التوراة من سنن يعقوب .

وشرع ذلك دون إذن من الله .

ويؤيد هذا الاحتمال قوله : { فبظلم من الذين هادوا } الآية .

فنص على أنه كان لهم ظلم في معنى التحليل والتحريم ، وكانوا يشدّدون فيشدد عليهم الله كما فعلوا في أمر البقرة .

وجاءت شريعتنا بخلاف هذا ، دين الله « يسر يسروا ولا تعسروا ، بعثت بالحنيفية السمحة » { وما جعل عليكم في الدين من حرج } والأظهر في من أنها شرطية ، ويجوز أن تكون موصولة .

وجمع في فأولئك حملاً على المعنى .

وهم : يحتمل أن تكون فصلاً ، ومبتدأً ، وبدلاً .

والظلم : وضع الشيء في غير موضعه .

وقيل : هو هنا الكفر .