90- هنا يئس القوم من مطاوعة شعيب ومن معه لهم ، وعلموا أنهم ثابتون على دينهم ، كذلك خافوا أن يكثر المهتدون مع شعيب بظهور قوته وثباته على دعوته ، فاتجه كبراؤهم الكافرون إلى متبوعيهم ، يهددونهم قائلين : والله إن طاوعتم شعيباً في قبول دعوته ، إنكم لخاسرون شرفكم وثروتكم في اتباعكم ديناً باطلاً لم يكن عليه سلفكم .
وهنا نلمح أن الملأ من قوم شعيب قد يئسوا من استمالة شعيب وأتباعه إلى ملتهم ، فأخذوا يحذرون الناس من السير في طريقه ، ويحكى القرآن ذلك بأسلوبه الحكيم فيقول : { وَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتبعتم شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } .
أى : قال الأشراف الكافرون من قوم شعيب لغيرهم : { لَئِنِ اتبعتم شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } لشرفكم ومجدكم ، بإيثار ملته على ملة آبائكم وأجدادكم ، وخاسرون لثروتكم وربحكم المادى . لأن ابتاعكم له سيحول بينكم وبين التطفيف في الكيل والميزان وهو مدار غناكم واتساع أموالكم .
وقولهم هذا يقصدون به تنفير الناس من دعوة شعيب ، وتثبيطهم عن الإيمان به ، وإغرائهم بالبقاء على عقائدهم الباطلة ، وتقاليدهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم ، فهم لم يكتفوا بضلالهم في أنفسهم ، بل عملوا على إضلال غيرهم . وقولهم هذا معطوف على قوله - تعالى - فيما سبق : { قَالَ الملأ الذين استكبروا مِن قَوْمِهِ } . وليس رداً على شعيب ، لأنه لو كان كذلك لجاء مفصولا بدون عطف ، وقد أكدوا قولهم بعدة مؤكدات منها اللام الموطئة للقسم ، والجملة الاسمية المصدرة بأن وذلك لكى يخدعوا السامعين بأنهم ما يريدون إلا خيرهم وعدم خسرانهم .
وحذف متعلق الخسران ليعم كل أنواعه الدينية والدنيوية .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : أين جواب القسم الذي وطأته اللام في قوله : { لَئِنِ اتبعتم } وجواب الشرط ؟ قلت : قوله : { إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } ساد مسد الجوابين " .
عُطفت جملة : { وقال الملأ } ولم تفصل كما فصلت التي قبلها لانتهاء المحاورة المقتضية فصل الجمل في حكاية المحاورة ، وهذا قول أنف وجه فيه الملأ خطابهم إلى عامة قومهم الباقين على الكفر تحذيراً لهم من اتباع شعيب خشية عليهم من أن تحيك في نفوسهم دعوة شعيب وصدْق مجادلته ، فلما رأوا حجته ساطعة ولم يستطيعوا الفلج عليه في المجادلة ، وصمموا على كفرهم ، أقبلوا على خطاب الحاضرين من قومهم ليحذروهم من متابعة شعيب ويهددوهم بالخسارة .
وذِكْرُ { المَلأ } إظهار في مقام الإضمار لبعد المعاد . وإنّما وصف الملأ بالموصول وصلته دون أن يكتفي بحرف التعريف المقتضي أن الملأ الثاني هو الملأ المذكور قبله ، لقصد زيادة ذم الملأ بوصف الكفر ، كما ذم فيما سبق بوصف الاستكبار .
ووصف { الملأ } هنا بالكفر لمناسبة الكلام المحكي عنهم ، الدال على تصلبّهم في كفرهم ، كما وصفوا في الآية السابقة بالاستكبار لمناسبة حال مجادلتهم شعيباً ، كما تقدم ، فحصل من الآيتين أنّهم مُستكبرون كافرون .
والمخاطب في قوله : { لئن اتّبعتم شعيباً } هم الحاضرون حين الخطاب لدى الملإِ ، فحُكي كلام الملأ كما صدر منهم ، والسياق يفسر المعنيين بالخطاب ، أعني عامّة قوم شعيب الباقين على الكفر .
( واللام ) موطّئة للقسم . و { إنكم إذا لخاسرون } جواب القسم وهو دليل على جواب الشرط محذوف ، كما هو الشأن في مثل هذا التركيب .
والخُسران تقدم عند قوله تعالى : { قد خسر الذين قتلوا أولادهم } في سورة الأنعام ( 140 ) . وهو مستعار لحصول الضر من حيث أريد النفع ، والمراد به هنا التحذير من أضرار تحصل لهم في الدنيا من جراء غضب آلهتهم عليهم ، لأن الظاهر أنّهم لا يعتقدون البعث ، فإن كانوا يعتقدونه ، فالمراد الخسران الأعم ، ولكن الأهم عندهم هو الدنيوي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.