وقوله - سبحانه - : { وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فأغنى } بيان لنعمة ثالثة من نعمه - تعالى - على نبيه صلى الله عليه وسلم .
وأصل العائل : الإِنسان الذى له عائلة لا يستطيع الإِنفاق عليها ، ثم أطلق هذا اللفظ على الإِنسان الفقير حتى ولو لم تكن له عائلة أو أسرة ، والفقر يسمى عيلة ، كما فى قوله - تعالى - : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } - أى : فقرا - { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ . . . } أى : وقد كنت - أيها الرسول الكريم - فقيرا ، حيث مات أبوك دون أن يترك لك مالا كثيرا ، ونشأت فى كنف جدك ثم عمك ، وأنت على هذه الحال ، ثم أغناك الله - تعالى - بفضله وكرمه بنوعين من الغنى :
أما أولهما - وهو الأعظم - : فهو غنى النفس ، بأن منحك نفسا عفيفة قانعة بما أعطاك - سبحانه - من رزق ، حتى ولو كان كفافا .
وأما ثانيهما : فهو الغنى المادى عن الاحتياج إلى الناس ، بما أجراه على يديك من الربح فى التجارة ، وبما وهبتك زوجك خديجة من مالها ، فعشت مستور الحال ، غير محتاج إلى من ينفق عليك .
وهكذا نجد الآيات الكريمة تبين لنا أن من فضل الله - تعالى - على نبيه صلى الله عليه وسلم أنه آواه فى يتمه وصغره ، وهداه من ضلاله وحيرته ، وأغناه بعد فقره وحاجته .
وبعد أن عدد - سبحانه - هذه النعم لنبيه صلى الله عليه وسلم أمره بشكرها ، وأداء حقوقها .
والعائل الفقير ، وقرأ اليماني «عيَّلاً » بشد الياء المكسورة ومنه قول الشاعر [ أحيحة ] : [ الوافر ]
وما يدري الفقير متى غناه . . . وما يدري الغني متى يعيل{[11875]}
وأعال : كثر عياله ، وعال : افتقر ، ومنه قول الله تعالى : { وإن خفتم عيلة }{[11876]} [ التوبة : 28 ] وقوله تعالى : { فأغنى } قال مقاتل معناه رضاك بما أعطاك من الرزق ، وقيل فقيراً إليه فأغناك به ، والجمهور على أنه فقر المال وغناه ، والمعنى في النبي صلى الله عليه وسلم أنه أغني بالقناعة والصبر وحببا إليه فقر الحال وغناه ، وقيل أغني بالكفاف لتصرفه في مال خديجة ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قط كثير المال ورفعه الله عن ذلك ، وقال : «ليس الغنى عن كثرة العرض ولكنه غنى النفس »{[11877]} .
والعائل : الذي لا مال له ، والفقر يسمى عَيْلَة ، قال تعالى : { وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم اللَّه من فضله إن شاء } [ التوبة : 28 ] وقد أغناه الله غناءين : أعظمهما غنى القلب إذ ألقى في قلبه قلة الاهتمام بالدنيا ، وغنى المال حين ألهم خديجة مقارضته في تجارتها .
وحذفت مفاعيل { فآوى } ، { فهدى } ، { فأغنى } للعلم بها من ضمائر الخطاب قبلها ، وحدفُها إيجاز ، وفيه رعاية على الفواصل .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
ووجدك فقيرا فأغناك ، يقال منه : عال فلان يَعيل عَيْلَة ، وذلك إذا افتقر . ...
جهود ابن عبد البر في التفسير 463 هـ :
لم يكن غناه- صلى الله عليه وسلم- أكثر من إيجاد قوت سنة لنفسه وعياله ، وكان الغنى كله في قلبه ، ثقة بربه ، وسكونا إلى أن الرزق مقسوم يأتيه منه ما قدر له . ( س : 8/141 ) ...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
ويقال : أغناك عن السؤال حينما أعطاك ابتداءً ؛ بلا سؤالٍ منك ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
قوله تعالى : { فأغنى } قال مقاتل معناه: رضاك بما أعطاك من الرزق ، وقيل فقيراً إليه فأغناك به ، والجمهور على أنه فقر المال وغناه ، والمعنى في النبي صلى الله عليه وسلم أنه أغني بالقناعة والصبر وحببا إليه فقر الحال وغناه ، وقيل أغني بالكفاف لتصرفه في مال خديجة ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قط كثير المال ورفعه الله عن ذلك... .
السؤال الأول : ما الحكمة في أنه تعالى اختار له اليتم ؟
( أحدها ) : أن يعرف قدر اليتامى فيقوم بحقهم وصلاح أمرهم ...
( وثانيها ) : ليكون اليتيم مشاركا له في الاسم فيكرم لأجل ذلك ...
( وثالثها ) : أن من كان له أب أو أم كان اعتماده عليهما ، فسلب عنه الولدان حتى لا يعتمد من أول صباه إلى آخر عمره على أحد سوى الله ...
( ورابعها ) : أن العادة جارية بأن اليتيم لا تخفى عيوبه بل تظهر ، وربما زادوا على الموجود فاختار تعالى له اليتم ، ليتأمل كل أحد في أحواله ، ثم لا يجدوا عليه عيبا فيتفقون على نزاهته ، فإذا اختاره الله للرسالة لم يجدوا عليه مطعنا.
( وخامسها ) : جعله يتيما ليعلم كل أحد أن فضيلته من الله ابتداء، لأن الذي له أب ، فإن أباه يسعى في تعليمه وتأديبه.
( وسادسها ) : أن اليتم والفقر نقص في حق الخلق ، فلما صار محمد عليه الصلاة والسلام ، مع هذين الوصفين أكرم الخلق ، كان ذلك قلبا للعادة ، فكان من جنس المعجزات .
أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :
في الآية إشارة إلى أن الإيواء والهدى والغنى من الله لإسنادها هنا للَّه تعالى . ولكن في السياق لطيفة دقيقة ، وهي معرض التقرير ، يأتي بكاف الخطاب : ألم يجدك يتيماً ، ألم يجدك ضالاً ، ألم يجدك عائلاً ، لتأكيد التقرير ، لم يسند اليتم ولا الإضلال ولا الفقر للَّه ، مع أن كله من اللَّه ، فهو الذي أوقع عليه اليتم ، وهو سبحانه الذي منه كلما وجده عليه ، ذلك لما فيه من إيلام له ، فما يسنده للَّه ظاهراً ، ولما فيه من التقرير عليه أبرز ضمير الخطاب . وفي تعداد النعم : فآوى ، فهدى ، فأغنى . أسند كله إلى ضمير المنعم ، ولم يبرز ضمير الخطاب . قال المفسرون : لمراعاة رؤوس الآي والفواصل ، ولكن الذي يظهر واللَّه تعالى أعلم : أنه لما كان فيه امتنان ، وأنها نعم مادية لم يبرز الضمير لئلا يثقل عليه المنة ، بينما أبرزه في : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ 1 وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ 2 وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } ، ورفعنا لك ذكرك . لأنها نعم معنوية ، انفرد بها صلى الله عليه وسلم . واللَّه تعالى أعلم . ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ولا يتصورنّ أحد أنّ تفسير الآيات بظاهرها يحط من مكانة النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أو يضفي عليه صفات سلبية من قبل الباري تعالى ، بل إنّها في الواقع بيان ما أغدق اللّه على نبيّه من ألطاف وإكرام واحترام ...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.