ثم سجل عليهم - خامسا وسادسا - جريميتين شنيعتين فقال : { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } .
والمراد بالكفر هنا : كفرهم بعيسى - عليه السلام - وهو غير الكفر المذكور قبل ذلك فى قوله : { طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } لأن المراد به هنا مطلق الجحود الذى لا يجعل الشخص يستقر على شئ ، فهو إنكار مطلق للحق .
وقد أشار إلى هذا المعنى الآلوسى بقوله : وقوله : { بِكُفْرِهِمْ } عطف على { بِكُفْرِهِمْ } الذى قبله - وهو قوله - تعالى - { بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ } - ولا يتوهم أنه من عطف الشئ على نفسه ولا فائدة فيه ، لأن المراد بالكفر المعطوف : الكفر بعيسى . والمراد بالكفر المعطوف عليه : إما الكفر المطلق . أو الكفر بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ؛ لاقترانه بقوله - تعالى - { قُلُوبُنَا غُلْفٌ } . وقد حكى الله عنهم هذه المقالة فى مواجهتهم له - عليه الصلاة والسلام - فى مواضع . ففى العطف إيذان بصلاحية كل من الكفرين للسببية ويجوز ان يكون قوله : { بِكُفْرِهِمْ } معطوف على قوله { فَبِمَا نَقْضِهِم } .
والبهتان : هو الكذب الشديد الذى لا تقبله العقول ، بل يحيرها ويدهشها لغرابته وبعده عن الحقيقة . يقال : بهت فلان فلانا ، إذا قال فيه قولا يدهشه ويحيره لغرابته وشناعته فى الكذب والافتراء .
والمعنى : إن من أسباب لعن اليهود وضرب الذلة والمسكنة عليهم ، كفرهم بعيسى - عليه السلام - ، وهو الرسول المبعوث إليهم ليهديهم إلى الحق وإلى الطريق المستقيم . وفتراؤهم الكذب على مريم أم عيسى ، ورميهم لها بما هى ريئة منه ، وغافلة عنه ، فقد اتهموها بالفاحشة لولادتها لعيسى من غير أب . وقد برأها الله - تعالى - مما نسبوه إليها . فى قوله - تعالى { وَمَرْيَمَ ابنت عِمْرَانَ التي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ القانتين } وقوله : { بُهْتَاناً } منصوب على أنه مفعول به لقوله - تعالى - { وَقَوْلِهِمْ } ، فإنه متضمن معنى كلام نحو : قلت خطبة وشعرا . ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف ، أى : وبفكرهم وقولهم على مريم قولا بهتانا . أو هو مصدر فى موضع الحال أى : مباهتين . ووصفه بالعظم لشناعته وبلوغه النهاية فى الكذب والافتراء .
{ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا } قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " يعني أنهم رموها بالزنا " . وكذا قال السدي ، وجُوَيْبِر ، ومحمد بن إسحاق وغير واحد . وهو ظاهر من الآية : أنهم رموها وابنها بالعظائم ، فجعلوها زانية ، وقد حملت بولدها من ذلك - زاد بعضهم : وهي حائض - فعليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وبكفر هؤلاء الذين وصف صفتهم وَقَوْلِهمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتانا عَظِيما يعني: بفِريتهم عليها، ورَمْيهم إياها بالزنا، وهو البهتان العظيم لأنهم رموها بذلك وهي مما رموها به بغير ثبْت ولا برهان بريئة، فبهتوها بالباطل من القول.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
وقيل: قوله تعالى: {وبكفرهم} أي كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبالقرآن...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{بِكُفْرِهِمْ}؟ قلت: قد تكرّر منهم الكفر، لأنهم كفروا بموسى، ثم بعيسى، ثم بمحمد صلوات الله عليهم،
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
«البهتان»: مصدر من قولك: بهته إذا قابله بأمر مبهت يحار معه الذهن وهو رمي بباطل.
فالقوم لا شك أنهم أولا أنكروا قدرة الله تعالى، على خلق الولد من دون الأب، وثانيا: نسبوا مريم إلى الزنا، فالمراد بقوله {وبكفرهم} هو إنكارهم قدرة الله تعالى، وبقوله {وقولهم على مريم بهتانا عظيما} نسبتهم إياها إلى الزنا، ولما حصل التغير لا جرم حسن العطف، وإنما صار هذا الطعن بهتانا عظيما لأنه ظهر عند ولادة عيسى عليه السلام من الكرامات والمعجزات ما دل على براءتها من كل عيب، نحو قوله {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا} ونحو كلام عيسى عليه السلام حال كونه طفلا منفصلا عن أمه، فإن كل ذلك دلائل قاطعة على براءة مريم عليها السلام من كل ريبة، فلا جرم وصف الله تعالى طعن اليهود فيها بأنه بهتان عظيم، وكذلك وصف طعن المنافقين في عائشة بأنه بهتان عظيم حيث قال: {سبحانك هذا بهتان عظيم} وذلك يدل على أن الروافض الذين يطعنون في عائشة بمنزلة اليهود الذين يطعنون في مريم عليها السلام.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما بين كفرانهم بقتل الأنبياء بين كفرهم بالبهتان الذي هو سبب القتل، والفتنة أكبر من القتل، فقال معظماً له بإعادة العامل: {وبكفرهم} أي المطلق الذي هو سبب اجترائهم على الكفر بنبي معين كموسى عليه الصلاة والسلام، وعلى القذف، ليكون بعض كفرهم معطوفاً على بعض آخر، ولذلك قال: {وقولهم على مريم} أي بعد علمهم بما ظهر على يديها من الكرامات الدالة على براءتها وأنها ملازمة للعبادة بأنواع الطاعات {بهتاناً عظيماً}.
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.