{ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً } أى : يتجاذبون على سبيل المداعبة ، ويتعاطون على سبيل التكريم ، الأوانى المملوءة بالخمر التى هى لذة للشاربين .
{ لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } أى : لا يصدر منهم فى أعقاب شربهم لتلك الخمر ، ما جرت به العادة فى أعقاب شرب خمر الدنيا ، من أن الشارب لها يصدر منه كلام ساقط لا خير فيه ، ويأتى من ألقوال والأفعال ما يعاقب عليه . ويرتكب الإثم بسببه .
قال صاحب الكشاف : { لاَّ لَغْوٌ فِيهَا } أى : فى سربها { وَلاَ تَأْثِيمٌ } أى : لا يتكلمون فى أثناء الشرب بسقط الحديث ، ومالا طائل تحته ، كفعل المتنادمين فى الدنيا على الشراب فى سفههم وعربدتهم ، ولا يفعلون ما يؤثم به فاعله ، أى : ينسب إلى الإثم لو فعله فى دار التكليف من الكذب والشتم والفواحش ، وإنما يتكلمون بالحكم وبالكلام الحسن متلذذين بذلك ، لأن عقولهم ثابتة غير زائلة وهم حكماء علماء .
وقوله { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا } أي : يتعاطون فيها كأسا ، أي : من الخمر . قاله الضحاك . { لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ } أي : لا يتكلمون عنها{[27510]} بكلام لاغ أي : هَذَيَان ولا إثم أي : فُحْش ، كما تتكلم به الشربة من أهل الدنيا .
وقال ابن عباس : اللغو : الباطل . والتأثيم : الكذب .
وقال مجاهد : لا يستبون ولا يؤثمون .
وقال قتادة : كان ذلك في الدنيا مع الشيطان .
فنزه الله خمر الآخرة عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها ، فنفى عنها - كما تقدم - صداع الرأس ، ووجع البطن ، وإزالة العقل بالكلية ، وأخبر أنها لا تحملهم على الكلام السيئ الفارغ عن الفائدة المتضمن هَذَيَانا وفُحشا ، وأخبر بحسن منظرها ، وطيب طعمها ومخبرها فقال : { بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزفُونَ } [ الصافات : 46 ، 47 ] ، وقال { لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزفُونَ } [ الواقعة : 19 ] ، وقال هاهنا : { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ }
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{يتنازعون فيها} يعني يتعاطون في الجنة، تعطيهم الخدم بأيديهم ري المخدوم من الأشربة، فهذا التعاطي {كأسا} يعني الخمر {لا لغو فيها ولا تأثيم} يعني لا حلف في شربهم، ولا مأثم يعني ولا كذب، كفعل أهل الدنيا إذا شربوا الخمر، نظيرها في الواقعة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"يَتَنازَعُونَ فِيها كأسا "يقول: يتعاطون فيها كأس الشراب، ويتداولونها بينهم...
وقوله: "لا لَغْوٌ فِيها" يقول: لا باطل في الجنة، والهاء في قوله «فيها» من ذكر الكأس، ويكون المعنى لما فيها الشراب، بمعنى: أن أهلها لا لغو عندهم فيها ولا تأثيم، واللغو: الباطل.
وقوله: "وَلا تَأْثِيمٌ" يقول: ولا فعل فيها يُؤثم صاحبه. وقيل: عنى بالتأثيم: الكذب...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
هو الإناء المملوء من الخمر، وأما الذي لا شراب فيه فهو الإناء.
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
["لا لَغْوٌ فِيها"]: لا فضول فيها...
لا يذهب بعقولهم فيلغوا ويرفثوا، وقال ابن عطاء: أي لغو يكون في مجلس محلّه جنة عدن، والساقي فيه الملائكة، وشربهم على ذكر الله، وريحانهم تحية من عند الله مباركة طيبة، والقوم أضياف الله {وَلاَ تَأْثِيمٌ} أي فعل يؤثمهم، وهو تفعيل من الإثم، يعني: إنّهم لا يأثمون في شربها...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وإنما يتكلمون بالحكم والكلام الحسن متلذذين بذلك، لأنّ عقولهم ثابتة غير زائلة، وهم حكماء علماء.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
فنزه الله خمر الآخرة عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها، فنفى عنها -كما تقدم- صداع الرأس، ووجع البطن، وإزالة العقل بالكلية، وأخبر أنها لا تحملهم على الكلام السيئ الفارغ عن الفائدة المتضمن هَذَيَانا وفُحشا، وأخبر بحسن منظرها، وطيب طعمها ومخبرها...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} أي: ليس في الجنة كلام لغو، وهو الذي لا فائدة فيه، ولا تأثيم وهو الذي فيه إثم ومعصية، وإذا انتفى الأمران، ثبت الأمر الثالث، وهو أن كلامهم فيها سلام طيب طاهر، مسر للنفوس، مفرح للقلوب، يتعاشرون أحسن عشرة، ويتنادمون أطيب المنادمة، ولا يسمعون من ربهم، إلا ما يقر أعينهم، ويدل على رضاه عنهم [ومحبته لهم].
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والتنازع أطلق على التداول والتعاطي...
. والمعنى: أن بعضهم يصبّ لبعض الخمرَ ويناوله إيثاراً وكرامة. وليس المراد أنهم يشربون في كأس واحدة بأخذ أحدهم من آخر كأسه. ويجوز أن يراد بالكأس الخمر.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.